المهرجان الولائي الثالث عشر - اليوم الأول

كلمة القس معن بيطار، الكنيسة الإنجيلية الوطنية في محردة

بسم الله الرحمن الرحيم

عبارة قلتها في كنيستي منذ أسابيع -واستغرب الناس- وأتبعتها (الخالق المتجسد الحاضر أبدا في كل مكان)...

قبل كل شيء أود أن أثني على ما قاله هذا الأخ الشيخ الدكتور محمد حبش -والذي كنت أتمنى أن نصبح أصدقاء لولا بعد المسافة، وربما أشعر بالقرب منه بسبب الشباب أو شيء من هذا-: (لو أننا عملنا لنحيي ذكراها بحق لكان علينا أن نرى أكثر مما نراه من النسوة المشاركات)، وأنا عملت على ذلك فنصف وفدي نساء، وأردت أن آتي بابنتي التي هي في الرابعة عشرة من عمرها ولم أستطع ذلك لاعتنائها بالصغار، لكنها قرأت لي الكثير عن هذه السيدة العظيمة في كتاب أعطاني إياه الدكتور عصام عباس واسمه (المرأة العظيمة)، فلضيق وقتي أردت أن أقرأ بعض الكتب قبل وصولي إلى هذا المكان، خاصة أن البعض قال لي: (ستحدّث مثقفين)، وحديث الإنسان مع المثقفين يختلف عن خطاب الجماهير. عندما ذهبت إلى بيروت رافقتني ابنتي في الطريق وقرأت لي فصولا من ذلك الكتاب، وقبل البارحة قرأت لي زوجتي مقاطع أخرى في الطريق من اللاذقية إلى محردة، فالعائلة كلها تحتفل بذكرى هذه السيدة العظيمة.

كيف تُجمع في دقائق حقائق ومآثر تضيق بها الساعات؟! إنها المهمة الصعبة لمتحدث عن هذه السيدة تعرف على دورها العظيم منذ فترة فاقتحمت هذه السيدة -دون استئذان- مكتبة العظماء في فكر هذا الإنسان، ولمع نجمها في سماء المؤمنين والأتقياء الذين لم تزل أنوارهم تضيء ليالي الظلمات.

كيف تجمع في دقائق هذه الحقائق والمآثر؟! لكني سأبدأ بصلب القضية في جوهرها -وقد اخترت بعدا واحدا من أبعاد كثيرة-، فأقول:

أين المرأة العربية منك؟ وأين أنت منها؟

وأين المرأة المسلمة منك؟ وأين أنت منها؟

وأين المدرسة الأسرية الإسلامية التي تخرجت منها؟ وأين مدارس أسر مجتمعنا اليوم؟

أين اللاتي يلبسن ثوبك كاللاتي يلبسن ثوب مريم العذراء بنت عمران؟ فإن كان ثوب بنت عمران يلبس من قبل الصبايا والنسوة هنا وهناك علامة ظاهرية لتقدير لها واحترام وتقديس -حتى لو خلا ذلك من فهم عميق للمعاني والبيان-، فكيف لا يلبس ثوبك من كل امرأة مسلمة؟!... وحتى مسيحية؟!... فتلك -بنت عمران- اختارها الله من دون أسرتها، بينما أنت من أسرة عظيمة وأسرة عريقة... أسرة تلك لم يسطر شيء عن أفرادها دورا أو فعلا أو تأثيرا-بل عن ابنها فقط-، وأفراد أسرتك تضيق بهم أسطر الكتب إنصافا وتقديرا، لكنكما معا -أنت، وبنت عمران- حملتما صليب رسالة الحق وحق الرسالة حتى النهاية في التزام عجيب.

كنت أسأل نفسي -وأنا أقرأ-: (ما سر هذا الالتزام؟ وكيف توجد نساء من هذا النوع؟) فجاءني الجواب: قوة هذا الالتزام عندكما في حمل صليب رسالة الحق وحق الرسالة حتى النهاية هو أن لكما قوة إلهية تجعل صاحبها ماردا جبارا صلبا في وجه الإهانة البشرية للإرادة الإلهية.

رأيتها وأنا أقرأ -فأنا عندما أقرأ أتخيل وكأني أعيش مع الشخص الذي أقرأ عنه-... تخيلتها... نسيت في كثير من الأحيان أكانت هذه الإنسانة امرأة أم رجل... كنت أنظر فأرى ماردا جبارا صلبا في وجه هؤلاء الذين كانوا يهينون الرسالة؛ فتلك شهدت بعينيها مسامير صليب الجلجزة تدق في جسد الحقيقة، وأنت نظرت إلى هامة الحسين على رأس رمح في منظر يدب في الأبدان أبشع وأعنف قشعريرة. صمدتما معا لأنكما ابنتا مدرسة الحقيقة الإلهية، وسيدتان حمل كل منكما عنوانا ومثلا للبشرية، فجسدتما مبادئ هذه المدرسة ودروسها ومعانيها ومنهجها، فكنتما منارتين لنساء ورجال الأرض بأسرها، وقد رأيت هذه المنارة بنفسي، وصحيح أنه في المسيحية لدينا بولس الرسول وبطرس وغيرهم، لكنني رأيت شأنها أكبر.

كنتما منارتين لنساء ورجال الأرض بأسرها تهديانهم جميعا لبناء الإنسان، ونحن نريد بمثلكما أن نبني الإنسان على صخرة التربية الصالحة في أزمنة الظلم والمهانة والمؤامرات والذل والاستعباد لمن ولدتهم السماء هياكل لروح الخالق في هذه الخليقة، ومن لا يهتدي بنوركما -أيتها السيدة العظيمة وأيتها العذراء- فيبني هذا الإنسان في هذه الأسرة أو تلك لا يحق له أن يدعي الإيمان بخالق البرية، ولا معنى لصلاته مهما تعددت أو طالت في هياكل مصنوعة بأياد بشرية.

كم نحن اليوم بحاجة إلى أمثالكما لنسمع منطقكما، وخاصة جمال وقوة وعمق تعابير لغتك يا زينب في البيان الذي يقزم المدعين الفارغين الخونة المتسلطين وأبناء الأبالسة الملاعين.

كم نحن بحاجة لعطركما الذي جني من الإيمان بالحاكم الأعظم الإله الذي به نحيا ونتحرك ونوجد... كم نحن بحاجة لعطركما الذي جني من الإيمان للتخلص من رائحة القبور في بيوتنا وقرانا ومدننا ومجالس التدين الشكلي في بلادنا... تلك الحاجة العليا للبشرية بأسرها -لأمثالكما- في مواجهة صلبان الشياطين المنجرة للسلام والحرية في كل مكان... للأخيار والمحبين الحالمين بحياة حقيقية لكل إنسان وأي إنسان؟ عنوان تلك الحاجة والحياة الحقيقية (كما في السماء، كذلك على الأرض).

وفي الختام... أعاهد زينبكم لتكون زينبي... أعاهدك -لها ضريح، ولكني أراها حية- بعد أن عرفت عنك ما عرفت أن أعظك في كنيستي، وأدعو كل امرأة مستمعة ورجل، شابة أو جدة، أن تتعرف عليك، ويكون لك مع مريمها منزلة علهن وعلنا نبني الإنسان والأسرة ليكون الإنسان كابن مريم، والأسرة كأسرة زينب.