كلمة الأستاذ
الدكتور حسين جمعة - رئيس اتحاد الكتاب العرب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة على سيدنا محمد واله الأطهار وصحبه الأخيار
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد
فان دمشق – اليوم – تجتمع بعلمائها وأدبائها ومثقفيها ومحبيها من أطياف شتى ،ومشارب متنوعة ، وأصقاع ممتدة على ساحة الوطن والأمة.
تلتقي بكم دمشق ، وهي تجر وراءها ثوب عشقها الأبدي للتاريخ الحضاري العظيم الذي يطل عليها في عام اختيارها عاصمة للثقافة العربية .. وانه لعشق فريد يتخذ لنفسه في هذا اللقاء طابعا خاصا .، ومذاقا رائعا لأنه يرتبط بعترة المصطفى الشريفة ، بمناسبة مولد حفيدة النبي الأكمل ، المحدثة العالمة والحكيمة العاقلة والشجاعة الجريئة والسيدة المطهرة زينب ابنة الإمام علي – عليهما السلام – والمعروفة للناس باسم زينب الكبرى
ولا يخفى على احد منا حين نقول : لقد حملت السيدة زينب رسالتها الإيمانية محبة وعطاء وجهادا ومحاربة لكل أنماط الشر والظلم والفساد والفتنة القاتلة ... وسارت في دروب المعاني الروحية السامية لفلسفة الاقتداء بتعاليم القران ولاسيما قوله تعالى : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ، والذي أوحينا إليك ، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى "
– الشورى 13
دمشق اليوم تستحضر التاريخ العربي والإسلامي ثقافة روحية سامية باعتبارها مهد الحضارات وملتقى الديانات ، لتعلي كرامة الإنسان في عصر أخذت تنحط فيه هذه الكرامة على يد الاستكبار العالمي للإدارة الأمريكية اليمينية وحلفائها ...
دمشق – اليوم ة- تتجلى في ملامحها الوطنية وعلاقاتها الاجتماعية كتلة متراصة من المحبة والتعاون والإخاء والاحترام ... وقد أعلت من قيمة المثاقفة الحرة مع الآخر على اعتبار أن ثمة نورا خيرا عند كل إنسان ، يتخلص بوساطته من الشر الذي يدنس النفس ، وبه يتطهر من أدران السموم التي تعلق به ... فدمشق تلقفت وحدة النوع البشري إنسانيا ، ومارست الحوار الموضوعي المستند إلى المساواة والعدل والتسامح والديمقراطية الحقيقية التي تؤكد الكرامة الإنسانية وفق قوله تعالى : " لقد كرمنا بني ادم " ، وليس وفق مبدأ الرئيس الأمريكي بوش ( من ليس معنا فهو ضدنا)
دمشق – اليوم -
تقف بين أخواتها عواصم الثقافة العربية وكأنها عروس العرائس ، إذ اخذ المتنافسون
في حبها يتبارون في إرضائها وطلب ودها ، ومنهم أسرة (النجمة المحمدية) بإدارة الأخ
(أبو علاء ) الدكتور عصام عباس .. فهذه الأسرة آثرت أن تجعل مهرجانها الثقافي
السابع عشر تحت شعار " ثقافة أهل البيت
في
عاصمة الثقافة العربية ، ومن ثم انحازت الى عشاق عاصمة العروبة ، ومدينة السحر
والتاريخ ، ووضعت برنامجها لذلك فصدق فيها ما قاله رسول الله
لبني
عبد المطلب : " ايتوني بأعمالكم لا بأحسابكم وأنسابكم "
وحين تعلن هذه
المؤسسة أو تلك عن رغبتها ومنهجها في الاحتفاء بسير العظماء التي عرفتهم دمشق ولادة
وتنشئة ، ورحلة إليها قصيرة أو طويلة ... فإنها تثبت أن دمشق ما تزال فضاء فسيحا
لبهاء الأنس والالتقاء والمثاقفة الأصيلة والمعاصرة ، بكل تجلياتها العظيمة، فكيف
اذا كان الاحتفاء بالسيدة الطاهرة زينب الكبرى
التي
اقترنت بدمشق واقترنت دمشق بها سواء ما تعلق بحي السيدة زينب ، أم بضريحها الذي
أصبح معلما من معالم دمشق يتوافد إليه الزوار والحجاج ليتبركوا به ؟!!
وإذا كان العاقل يدرك أن هذا النهج لا يعني مجرد التغني بالماضي التليد ولا مجرد التبرك بالأولياء الصالحين ... فانه يدرك - في آن معا – أن ما تركه السلف للخلف يعد نقطة ارتكاز وانطلاق إلى بناء الحاضر والمستقبل بناء يواجه الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي المر ، ويشكل الوعي الخلاق داخل المجتمع بكل مكوناته وقد تلازمت عناصر الهوية الوطنية بالمنظومة الدينية والعلمية والثقافية والإعلامية والسياسية ...
فصناعة الحياة
الحرة الكريمة والفاعلة في إطار وحدة النسيج الوطني والقومي ترفض أن يبقى الإنسان
يردد " كان أبي " ... فمن يملك الوعي والكفاءة والقدرة ينبغي أن يشكل روح الأمة في
صميم الحرية والعدالة والحداثة وقيم الخير والفضيلة ، ولا يحق له إلا أن يردد قول
رسول الله "
خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام " أو القول المأثور " خير خلف لخير سلف " ،
وقول المتنبي :
صنائع فاق صانعها ففاقت وغرس طاب غارسه فطابا
فمن أراد أن يتبوأ المكانة العظيمة عليه أن يتحمل مسؤوليته وان يقوم بمراجعات كثيرة محليا وعربيا وإنسانيا ، وان يبني الوطن بناء عزيزا وقويا يتوافق وجوهر الرسالات السماوية ، وهو مؤمن أن أمته امة حضارية وقادرة على إنتاج المعرفة والتقنية ، ولديها الإمكانات الكبرى لتكوين بيئات علمية وثقافية وتربوية واقتصادية وإعلامية مؤهلة ومسؤولة ، " ولكل درجات مما عملوا " (آل عمران 3/132)
لذلك كله يصبح لزاما علينا – ونحن في حضرة روح لؤلؤة البيت المحمدي ، (السيدة زينب الكبرى) أن تتصف سياستنا بالتناغم مع المتطلبات الإنسانية بناء على الترابط التراثي والتاريخي مع المثاقفة الجادة والعلمية المعاصرة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ...
أن تتميز علاقاتنا الإنسانية بالصدق والجد والتفاني في العمل والتعاون فيه ، وبالتسامح والإخاء والمودة والمحبة والإيثار ... والاحترام المتبادل دون إلغاء أو انحياز وفقا لقول إمامنا وسيدنا علي : " الناس صنفان ، فإما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق"
علينا أن نوجد ذهنية عقلية جديدة تتحلى بالوعي الموضوعي العلمي القادر على المبادرة والفعل والإنتاج في المعرفة والتقنية وكل مجالات الحياة ... فمن يمتلك الإرادة الذاتية والموضوعية الواعية قادر على صناعة الحياة والارتقاء بالأوطان والشعوب .
فالحياة ترفض الجهلة والضعفاء ، والخونة والعملاء، والمتخاذلين والبليدين ،والهوان والخنوع " وهيهات منا الذلة"
ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أعيد التساؤل على نفسي : هل نستطيع أن نرتقي إلى مقام أولئك العظماء الذين صنعوا مجدا ما زلنا صرعى للتباهي والتفاخر الوهمي به دون أن نضيف لهم شيئا يذكر؟ فالأفواه لا تزال تمضغ السلبيات هنا وهناك والأسنة لا تزال مصابة بالانحباس والانحسار وراء الآخر أو الماضي ... فهل نستطيع ما وهبنا الله إياه من أوطان وموارد ، وتراث، وملكات شتى لإغناء الجوهر الصافي لمصلحة البناء والتطوير والتقدم بمزيد من النتاج الروحي والفكري والتقني والعلمي والنقدي و.......... لنعيد إلى هذه الأمة القها ومكانتها اللائقة بين الأمم ؟
إني لأرى أن الأمل ينعقد عليكم – أيها الفضلاء الأخيار – وعلى أمثالكم ، وعلى كل غيور مصمم على تجاوز التحديات التي تواجهها الأمة عسكريا وسياسيا وثقافيا وعلميا واجتماعيا واقتصاديا وتربويا وأخلاقيا وتقنيا وإعلانيا و...............
أخيرا ليس لي إلا
أن أدعو بدعاء رسول الله
"
اللهم بارك لنا في شامنا "
وسلام عليكم آل البيت الأطهار
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .