برقية المهندس غريبي مراد عبد الملك   كاتب و باحث إسلامي جزائري

 

في ذكرى ميلاد الحوراء عليها السلام :

نحو بعث الثقافة الولائية الإسلامية (*) 

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ * لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ) (الممتحنة/5-6) 

الحمد لله كما هو أهله و الصلاة و السلام على من بعثه الله رحمة للعالمين و على آله الطيبين الأطهار و على صحبه الكرام الأبرار و على جميع أنبياء الله و المرسلين

سيدتي و نور قلبي وروحي و بصري و جلاء همي و حزني و غربتي

 يا أمنا يا عزنا و الروح التي نستمد منها القوة و الشهامة و الكرامة

يا مولاتي زينب الحوراء عليك من الله الصلاة و السلام و على جدك المصطفى و أبيك المرتضى و أمك المعصومة الزهراء و على أخويك  سبطي  الرحمة و الهدى الحسنين و على الأئمة الأطهار أجمعين

السلام عليك يوم ولدتي في أشرف بيت و أعز نسب و أطيب مكان

و السلام عليك يوم رحلتي عن دنيانا

سلام عليك ما دامت الدنيا،

سلام عليك مع كل ذكر لأهلك عليهم السلام

سلام الله عليكم مع الرحمة و الإكرام أيها الأحبة الأوفياء لسليلة النبوة و الإمامة وعمدة الوفاء و الإباء سيدتنا الحوراء زينب بنت علي المرتضى و فاطمة الزهراء عليهم السلام أجمعين

و أمامك أخي أيها الإنسان الحاضر في رحاب الإسلام الأصيل

في روضة من رياض جنة الإيمان و الإسلام و الإحسان و الإنسانية الحقة الصادقة،

أعتذر من مولاتي صاحبة السمو التاريخي السماوي الروحي الرسالي الخالد زينب عليها الصلاة و السلام..

مولاتي عجزت هذه السنة أن أحل برحابك و الله العالم يا سيدتي لكم وددت زيارتك و إحياء أمرك و النهل من معين الروحية العظيمة التي يكتشفها زائرك ، فعذرا يا سيدتي فوالله أمرك دوما في عقولنا و قلوبنا و يملأ أرواحنا  لأنك نور من أنوار محمد المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم ...

أما بعد:

أخي و صديقي و معلمي في مدرسة الوفاء للحق و الصدق و التقوى

سعادة الدكتور العزيز المؤمن الفاضل خادم مولاتنا زينب الحوراء عليها الصلاة و السلام  عصام عباس حفظه الله و رعاه و طيب روحه و زكاه

 من عنده بما يزكي به عباده الصالحين ، نبارك لك و لدمشق خاصة ولعامة ضيوفك من المسلمين و المسيحيين و غيرهم من العارفين قدر العظماء الحقيقيين، ميلاد سيدتنا العالمة غير المعلمة زينب عليها الصلاة و السلام ،

كما أبلغ تحياتي لسعادة وزير الثقافة الأستاذ الدكتور رياض نعسان أغا هذا المثقف الفذ الذي تشرفت أمنا الغالية الجزائر بإستضافته العام الماضي، و نبجل معاليه  على وفائه لذكرى السيدة زينب عليها السلام و من خلاله الجمهورية العربية السورية بشعبها وقيادتها الرشيدة ،

دون أن أنسى أستاذنا و حبيبنا الدكتور أسعد علي حفظه الله و بارك لنا فيه و الصديق النبيل  القس معن البيطار و كل إخواننا المسيحيين وعلمائنا الأجلاء و المفكرين و المثقفين المخلصين للحق و أهله عبر الزمن الإسلامي كله،

و إنه لمن دواعي الغبطة و السرور أن يكون شعار مهرجان النجمة المحمدية الولائي الثقافي في طبعته 17 :

"ثقافة أهل البيت عليهم السلام في عاصمة الثقافة العربية"

حيث أنه لسبق كبير لسوريا الغالية الممانعة الصامدة في وجه ثقافة الطغيان و الجهل و الذل و الهوان ، الحق أنه لدي الكثير مما يحمله وجداني من تعابير الشؤون و الشجون، لكن جئتم و جئت بروحي العارفة قدر الأحبة الهداة المهديين و آلهم الكرام عليهم أجمعين و على جدهم المصطفى أفضل الصلاة و أزكى التسليم، لنحيي و لو نزرا يسيرا من أمرهم  العظيم عظمة الحكمة الإسلامية من خلال الابتهاج و الإحتفال و الإحياء  الصحيح و الهادف و الرشيد لذكرى ميلاد  العالمة غير المعلمة عليها السلام، و لا أخفيكم سادتي و أحبائي و أهل المعرفة بأنوار الإسلام الزكية من محمد المصطفى إلى بقية الله المهدي عليهم أجمعين الصلاة و السلام، أنه منذ يومين تقريبا كنت بمؤتمر بعاصمة الجزائر أم النبلاء ، و بعد انتهائنا من بعض الأشغال ارتحت قليلا ثم تفكرت في شعار مهرجان هذه السنة فتذكرت كلمة رائعة لمن احتضنته زينب عليها السلام لما اشتدت الخطوب على الإمام الحسين عليه  السلام يوم كربلاء، إنه سيدنا و إمامنا و معلمنا الإمام علي بن الحسين زين العابدين السجاد عليه و على آبائه الصلاة و السلام ما دامت الأيام ، إذ لا يمكننا الحديث عن السيدة زينب عليها السلام أو شخصية من شخصيات بيت النبوة و الإمامة بعيدا عن ثقافة الأطهار عليهم السلام فلما نستذكر ذكرى السيدة زينب عليها السلام فلابد أن نستعيد ذكرى محمد رسول الله و علي المرتضى و فاطمة الزهراء و الحسن و الحسين و تحديدا السجاد عليه السلام، لأنه كان القريب من مولاتنا الحوراء عليها السلام و حدثتنا  في العديد من كلماته العظيمة عن حكمتها البالغة و روحها الطيبة وجسارتها النادرة في الرجال قبل النساء، حيث في كلمته العظيمة عليه الصلاة و السلام  يوصينا: "أحبونا حب الإسلام" نعم هكذا ثقافة أهل البيت عليهم السلام تهدف لبناء واقع إسلامي ملؤه الحب الواعي و الأصيل للقضية و الرمز و الحياة حتى لا تكون علاقتنا بتاريخنا و حياتنا  علاقة الطفل بالأشياء أو علاقة المراهق بالحبيب، في مدرسة أهل البيت عليهم السلام الحب ليس تجربة إنسانية اعتباطية بل ثقافة إسلامية تغني الجوهر قبل الشكل و لذلك واقعنا في علاقته بأهل البيت عليهم السلام واقع حب شكلي مضمونه غائب عن الروح تائه في الزمان مستغرق في الأوهام ، قد يبدو أنني استرسلت قليلا لكن الحديث عن السيدة زينب عليها السلام هو ككل حديث عن أهل البيت عليهم السلام المفترض أن يكون متعددا شاملا متكاملا حتى لا نجزء ثقافة أهل البيت عليهم السلام كما جزأنا التاريخ الإسلامي لنواري سوآتنا و نتغنى و نبتاهى بما ليس فينا و لا منا...و لابد أيضا أن يرتقي الحب لهم عليهم السلام لمستوى الولاء و العطاء و الوفاء الحقيقية الناظم لأمور الذات و المجتمع و الإنسانية...

الحديث عن السيدة زينب عليها السلام هو حقا كالحديث عن  أهل البيت عليهم السلام ككل لكنه يحتاج للعدل حتى يرتقي الحديث عن السيدة الحوراء زينب عليها السلام و عن أهل البيت عليهم السلام لمستوى الحديث عن الإسلام بكل أبعاده التي تنفتح على الوجود و الإنسان و الحياة و المسؤولية، لأن خصوصية السيدة زينب وأهل البيت عليهم السلام هي الإسلام المحمدي الأصيل الباعث للحق و العدل و المحيي الموتى من قبور الجهل و التخلف و التعصب ، هكذا نلتقي بحق مع السيدة زينب عليها السلام لترشدنا إلى ثقافة الإسلام التي تصلح نفوسنا و عقولنا و قلوبنا و بيوتنا و حكامنا و علماءنا فتطلق ثورة الإسلام السمحة التي لا تضيق بالإنسان كله فتحدث المسيحيين المخلصين لسيدنا المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام عن التسامح و التعارف و التعايش و الحوار و التواصل و التعاون كقيم إسلامية خالدة.

هذا بعض ما وددت الإفصاح عنه و ثقافة أهل البيت عليهم السلام لكونها ثقافة الإسلام الناطقة التي تتجسد في حياة الناس عبر الزمن الإسلامي كله، لا يمكن استيعابها و الاستفادة منها ما دمنا نقرؤها على أنها تجربة ثقافية إسلامية دون الجدية في التعامل معها بالتوازي مع الإهتمام بثقافة القرآن، لأن الإسلام و كل ما يتعلق به من علم أولا و عمل ثانيا يطير بالإنسان إلى رحاب الطهر و الصفاء و الكمال الروحي كلما استقر علمه هذا و عمله على بساط التقوى التي من لوازمها التواضع أمام العظمة و وعي الإختلاف الرحمة لتشييد الوحدة...

لا أطيل عليكم و إن كنت قد أطلت فعلا، كلمة أخيرة أحبتي  في هذا الجمع الكريم الطيب المبارك بإذن الله تعالى ببركة الحبيب المصطفى و آله الأطهار و بمقام مولاتنا السيدة زينب عليها السلام أقول سر أهل البيت عليهم السلام ليس إعجاز و إن كان فيه بعض ملامح المعجزة لكنه بالمختصر المفيد هو تواضع لله من خلال معرفته حق المعرفة و شكره بعد إدراك لذة القرب من حضرته  القدسية سبحانه و تعالى و التزام عهده صدقا و عدلا، و لكي نكون عمليين أدعوكم و نفسي وكل الشرفاء إلى العمل لميلاد قناة فضائية تطلق صوت العقيلة زينب عليها السلام في أجواء الإنسانية، على أن يشاركنا العام المقبل كل الناس في إحياء ذكراها عليها السلام كل من بيته و لتعرف الإنسانية عظمة زينب و تنهل من ثقافة أهل البيت عليهم السلام ...

أشكر أبي و أستاذي الفاضل الدكتور محمد محمود القادري حفظه الله و زاده من فضله على إشارته لكلمتي المتواضعة لكم و لا تنسونه من جميل الدعاء و أسألكم خالص الدعاء عند زيارة مولاتي عليها السلام لسماحته و لأخي الدكتور عصام عباس و رفاقه و أهله و كل من يساهم في إحياء ذكرى الأطهار عليهم السلام وأكثروا من الدعاء  بأن يلم الله شعثنا و يجمع شملنا و يقرب بعيدنا و يهدينا سبل السلام و يجعل بلاد المسلمين خير البلاد و دمتم أوفياء لأهل البيت عليهم السلام و الصلاة و السلام عليك يا سيدتي العقيلة  زينب الحوراء  و لا جعله الله آخر العهد مني إليكم سادتنا و الحمد لله رب العالمين ...

(*) أخوكم المخلص : المهندس غريبي مراد عبد الملك

كاتب و باحث إسلامي جزائري