بسم الله الرحمين الرحيم
السيد راعي الاحتفال
الأستاذ الدكتور عصام عباس رئيس اللجنة المنظمة لمهرجان النجمة المحمدية الثقافي
السيدات والسادة المحترمون
نحييكم تحية أخوية انطلاقا من كوننا أخوة لبعضنا البعض في الدين، أيا كان دين كل واحد فينا، مادام صاحب الدين واحد هو الله سبحانه وتعالى. بمعنى، سواء كنا مسلمين أم مسيحيين أم يهودا غير صهيونيين، فإننا ننتمي إلى دين واحد وصلنا عبر رسالات ورسل متعتددين، وما كان مؤمنا بأي منها من لم يكن مؤمنا بكل الرسالات الأخرى السابقة واللاحقة لها.
أخواننا الكرام،
لقد تعرضت الأديان جميعها على مدى تاريخها الطويل لحملات ظالمة كان الهدف منها تشويه صورتها وتحريف ماجاء فيها من مبادئ سامية. غير أن ما يتعرض له الدين الإسلامي بشكل خاص في هذه الأيام، وما أدى إليه ذلك من تعميم صورة نمطية سائدة عنه على أنه دين يدعو إلى التطرف والإرهاب، هذه الصورة لا تسر سوى أعدائه. فهذه الصورة التي يجري التركيز عليها وتسويقها عنه على أنه دين إرهاب وتعصب، ويقسم العالم إلى دار سلام ودار حرب، هي ليست من الإسلام في شيء، وما تقدمه ليس هو الإسلام الحقيقي الذي هو في جوهره منظومة متكاملة من القيم والمبادئ والأخلاق.
ثمة مشكلتان أساسيتان تواجهان الدين الإسلامي. الأولى هي الخلط ما بين السياسة والدين والذي أنتج الإسلام السياسي. فحينما يتحول الدين، أي دين، إلى سياسة ويصبح الحكم واستلام السلطة فيه هو الغاية، فهذا يقتضي تحالفات قد تكون اليوم ضرورية، ليظهر غدا أنها غير لازمة، لأن السياسة هي فن الممكن، بينما الدين هو عبارة عن إيمان بخالق عظيم يهدي مخلوقاته من الآدميين لأن يكونوا أقرب ما يكونون إلى الملائكة منهم إلى البشر. وفيما بين هذا وذاك تناقض كبير. المعضلة الثانية والتي لا تقل خطورة عن الأولى هي عدم فهم القرآن الكريم بعمق وعدم إدراك السياق التاريخي والظرف الموضوعي لكل آية من آياته. وهذا ما جعل البعض يدعون إلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على العصر الحديث دون فهم للظروف التاريخية التي وردت بها.
لذلك نجد أن العديد من الدول التي تتبنى النظام الإسلامي أو تدعي بأنها تستقي قوانينها من الشرع الإسلامي، لكن في الحقيقة كل دولة تطبق الإسلام وتفسر أحكامه حسب مصلحتها، وهنا الطامة الكبرى التي تجعل منا مادة للتندر من قبل سيئي النية. فكيف يمكن تبرير هذا التناقض مع أن مصدرهم التشريعي واحد؟ وأكثر من ذلك فإن التنظيمات الإسلامية العديدة من حولنا قد بلغ الاختلاف فيما بينها حد تكفير بعضهم لبعض، مع أنه قد ورد في القرآن الكريم: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة" لكنه تعالى شاء هذا التنوع لتكتمل الصورة الإنسانية التي ما كان لها أن تكون على هذه الدرجة من الجمال لولا التنوع الذي فيها: التنوع العرقي والثقافي والديني والفكري وحتى التنوع في الألوان والاتجاهات والأذواق الخ.. ودليلنا على أن الله تعالى قد أراد هذا التنوع والاختلاف أنه هو ذاته خالق كل شيء وبالتالي فثمة حكمة من كل هذا، وخير مثال يثبت ذلك هو ما ورد في الكتب السماوية وكان آخرها في القرآن الكريم، إذ بعد أن خلق الله تعالى أبانا أدم عليه السلام أمر ملائكته أن يسجدوا له "فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين" (الأعراف 11) ومعروفة تتمة السورة في الآيات اللاحقة إذ وصل الحوار بين الله تعالى وإبليس حدا وصل إلى درجة التحدي، وتمضي القصة القرآنية العظيمة على النحو التالي: يطلب إبليس من ربه مهلة ليضل بها الإنسان، فقال له: "أنظرني إلى يوم يبعثون (14 الأعراف) فرد عليه تعالى "إنك من المنظرين (الأعراف15) وبذلك يكون الله تعالى قد أمهله واستجاب إلى طلبه لكنه قال له متوعدا وبثقة من قوته وعظمته "لأملأن جهنم منكم أجمعين (الأعراف18)
يخطر على البال سؤال بسيط هو لماذا لم يمحق الله إبليس محقا فكان بذلك قد خلص البشرية من أحابيله ومكائده إلى أبد الآبدين؟ وكيف تحملت عظمته وقدرته مثل ذاك التمرد والعصيان من أحد مخلوقاته وعبيده أصلا وهو إبليس؟ الجواب من وجهة نظرنا المتواضعة، والله أعلم، أن الله تعالى قد شاء وجود الشيء وضده. وانطلاقا من بديهية كونه يعلم ما في الغيب، فهو رضي بهذه النتيجة ليقدم للإنسانية درسا في لزوم وجود الرأي والرأي الآخر ضمانا لاستمرار الحياة بالطريقة الإنسانية الراقية. أيضا قدم الله برهانا قاطعا أزليا على لزوم التنوع والاختلاف وذلك عندما خلق رمزا للشر في مقابل الخير، وفي ذلك ثنائية تعتبر أساسا للحياة، ومنها تم اشتقاق كل الثنائيات في الطبيعة: الظلام والنور، الوجود والعدم، الحياة والموت، العدل والظلم، الجمال والقبح، الحرية والإرهاب الخ..
هذا الفهم المنطقي للدين تمت ترجمته عمليا في مرحلة الدولة الفاطمية التي انطلق مؤسسها الإمام محمد المهدي من السلمية نحو تونس وأسس مدينة المهدية ووضع حجر الأساس لما بات يعرف على مدى أكثر من قرنين تاليين بعصر الدولة الفاطمية التي بدأت في المغرب العربي ثم توجهت شرقا نحو مصر التي صارت معقلا للدولة الفاطمية واتخذت من القاهرة عاصمة لها. والقاهرة هي قاهرة المعز حفيد الإمام المهدي ابن السلمية، لذلك قال عميد الأدب العربي بأن "السلمية هي أم القاهرة"
كان الخلفاء الفاطميون هم ذاتهم ائمة الشيعة الاسماعيليين الذين اتسم حكمهم باللاطائفية، بل على العكس كانت دولة مدنية بالمفهوم العصري السائد اليوم والذي يعني أنها كانت دولة لجميع المواطنين. ويأتي ذلك انطلاقا من إيمانهم بأن مصدر الدين واحد ألا وهو الله تعالى. وكيف لا يكونون كذلك وهم الذي يعودون بنسبهم إلى الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وكرم الله وجهه الذي قال: الناس صنفان، أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق. لكن حتى يومنا هذا لازال العالم الإسلامي منقسما إلى سنة وشيعة. ومع أن ما يجمع بينهما أكثر مما يفرقهما، لكن ومع ذلك، وتحت كل من هذين العنوانين العريضين ثمة مذاهب واتجاهات عديدة، ولا توجد مشكلة لو أن الاتفاق على المبادئ العامة موجود. لكنهم لا يزالون إلى يومنا هذا مختلفين على من كان أولى بخلافة رسول الله، هل هو الإمام علي بن أبي طالب وصي رسول الله في غدير خم أم هو أبو بكر الصديق. وبايع المسلمون أبابكر، وحتى الإمام علي بايعه وبايع بعده عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وقد كان نعم الناصح للخليفة الثاني عمر بن الخطاب الذي كرر عدة مرات عبارته الشهيرة: لولا علي لهلك عمر. وحتى أن الإمام علي كرم الله وجهه قد ترفع على تلك الخلافات وسمى بعضا من أولاده أبابكر وعمر وعثمان،. فكم هو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام متقدم علينا جميعا اليوم.
من ذات السلالة الفاطمية التي تعود بنسبها إلى الإمام علي جاء الأمير كريم آغا خان، الإمام التاسع والأربعون للمسلمين الشيعة الإسماعيليين في العالم، الذي يعمل على مدار الساعة من خلال شبكة الآغا خان للتنمية، والمتواجدة في مناطق عديدة من العالم لإظهار الوجه الحقيقي للإسلام التي بشر بها جده رسول الله ومنها وقد فسرها مستخدما مصطلحات العصر من مثل نشر ثفافة التسامح، والتأكيد على مبدأ التعددية في المجتمعات الحديثة وضرورة الاعتراف بالآخر والقبول به والتركيز على الكفاءة والجدارة في عالم اليوم، والتعلم مدى الحياة. وكيف لا يكون كذلك إذا كان أجداد الفاطميون قد بنوا جامعة الأزهر منذ أكثر من ألف عام التي كانت في زمانها من أهم مراكز الإشعاع الحضاري في العالم. ويبدو جليا أن الأئمة الإسماعيليين قد ورثوا عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم والإمام علي بن أبي طالب عليه السلام حب العلم والحض عليه. لذلك يركز اليوم الإمام كريم آغا خان على ضرورة التعلم المتواصل مدى الحياة. ولهذه الغاية فقد أسس عددا من الجامعات والمعاهد العلمية من بينها جامعة الآغا خان وجامعة أسيا الوسطى ومعهد الدراسات الإسماعيلية ومعهد دراسات حضارات المسلمين وسلسلة أكاديميات الآغا خان. وإلى جانب ذلك تعمل شبكة الآغا خان للتنمية، وهي أكبر مؤسسة خيرية إنسانية من نوعها في العالم، بهدي من القيم الإسلامية العظيمة الخالدة التي تحض على عمل الخير ومساعدة المحتاجين ومد يد العون لهم بغض النظر عن انتمائهم الديني أو المذهبي أو العرقي وذلك من خلال برامج علمية واجتماعية رائدة وتتواجد في مناطق عديدة من العالم النامي.
نفخر أننا ننتمي في ولائنا لعترة نبي الله، عليه الصلاة والسلام، ولعلي وفاطمة. وهذه السلالة العطرة الطاهرة المميزة هي التي أنجبت السيدة زينب، هذه النجمة المحمدية التي نجتمع في هدي نورها وهدي نور أهل بيتها اليوم.
نرجو أن يكون هذا المهرجان الثقافي منارة تضيء الطريق للتعريف بثفافة أهل البيت كما هي عليه في الواقع، بعيدا عن التحريف والتزوير لنعيش جميعا في وطن يعرف كل منا فيه حقوقه وواجباته. ويعترف فيه كل منا بالآخر، ويقر له بحقه في الاختلاف عنه. يجب أن نربى أنفسنا وأولادنا على أن الحقيقة هي ملك لجميع وليست حكرا لجماعة دون أخرى. لا أحد يضع مفاتيح الجنة في رقبته. وإن حديث الفرقة الناجية مناف لأبسط قواعد أي دين.
ختاما. وبمناسبة ما يلوح في أفق المنطقة من نذر شر مستطير، أتوجه من أمامكم من على هذا المنبر، وندعو كل الشرفاء والوطنيين والعقلاء لأن يحكموا العقل لمنع حدوث كارثة في لبنان. لبنان الذي بذل الكثير من الجنود السوريين والوطنيين اللبنانيين أرواحهم في سبيل وقف الحرب الأهلية التي اندلعت هناك في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. وقد كان الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى جانب لبنان حتى نجح في إيصاله إلى بر الأمان. ونسأل الله أن يهدئ النفوس اليوم، ويمكن الرئيس بشار الأسد أن يواصل المسيرة التي بدأها الراحل حافظ الأسد لحقن الدماء في لبنان وأن يكون الأب والأم للبنان شاء من شاء وأبى من أبى، ولو كره ألأمريكان والإسرائيليون.
والسلام عليكم