كلمة الأستاذ الباحث محمد محمود الحسيني القادري محافظة الحسكة – سورية

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

 

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد خاتم النبيين و المرسلين و على آله الطيبين و أصحابه المخلصين .

أيها السادة المكرّمون مبارك لكم هذه الحضرة المهيبة لإحياء ذكرى رمز من رموز أهل البيت (ع) و خزينة من خزائن أسرارهم ، و كنز من كنوز ثقافتهم , في دمشق، عاصمة الثقافة العربية و عاصمة الصمود الآبية .

لقد اعتمدت ثقافة أهل البيت (ع) بناءَ الإنسان على أسس من العدالة و الكرامة ، و على أسس من العفة و الطهارة ، و على الحرية و التجدد ، و المعرفة و الإيمان و العمل الدائب لتنمية الحياة و ترقية الحياة .

إن ثقافة أهل البيت (ع) هي ثقافة عربية إسلامية إنسانية عربية الهوية و اللسان و البلاغة و عربية الشيم و القيم ، و إسلامية الروح و الأخلاق و الشريعة ، و إنسانية الرسالة و المنطبق و الغاية و الحضرة .

تغرس في كيان الإنسان حب الإنسان لأخيه الإنسان ؛ يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام " فإما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق " .

أي مدرسة فكرية أو فلسفة وضعية حملت هذا الارتقاء الإنساني غير مدرسة القرآن ، مدرسة الناطقين لسوره و آياته!

و لأننا في حضرة السيدة زينب عليها السلام فهي مرآة تلك الثقافة ، بانتمائها و قيمها و خطابها و مواقفها و مشاركتها الفعالة في نهضة الإمام الحسين عليه السلام ، تلك النهضة التي كانت نتاجاً لثقافة أهل البيت عليهم السلام ، التي تنشد العدالة و الكرامة و تنشر المحبة و الأخوة ، و تقاوم الظلم و الظالمين .

هي باختصار محتوى و غاية رسالة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله و سلم لتستمر و تبقى رحمة للعالمين ، لا نقمة على الخلق أجمعين .

لذلك تحركت السيدة (ع) إلى جانب الإمام الحسين (ع) ليصيغا المجد و الخلود و ليكونا رمزاً للأحرار و أنصار الحق .

مواقف السيدة زينب (ع) زو خطابها الرسالي في كربلاء و في مسيرة الإباء و في دمشق تؤكد و تأصل دور المرأة الرسالية ، دور المرأة المنتجة لأسمى القيم في الحياة ذروتها الإيثار و التضحية و هي التي تربي و تساهم و تعلم و تبدع و تثقف و تعمل و تجابه و تصمد تصدُقُ و تصبر .

أيها السادة المكرّمون و السيدات المكرّمات في ذكرى ولادة السيدة زينب (ع) أود الإشارة إلى ثلاث حقائق و باختصار :

1-   هوية أهل البيت (ع) : تلك الهوية التي لم يستطع البغاة أن يطمسوا معالمها ، و أن يحجبوا أنوارها و عجباً كيف كانوا يتصورون و يسعون بكل ما أتوا من

كيد و تضليل و جبروت محو ذكرها .

إن هوية أهل البيت (ع) هي التي شاء الله أن يخلقها من نوره ، و يعصمها بلطفه ، و يرعاها بعينه ، اختارها مولاها أن تكون نوراً يمشي على الأرض و أراد من زاغ بهم البصر و طمست على بصيرتهم ، فطغوا و استكبروا  و أرادوا أن يطفئوا نور الله ، غافلين عن مشيئة الله تعالى في أن يستمر و يكون أميناً على الكتاب العربي المبين و سبباً لنجاة الخلق أجمعين و نموذجاً لإنسان الجنة " يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم و يأبى الله إلا أن يتم نوره و لو كره الكافرون" صدق الله العلي العظيم .

     2- من يكون نور الله هويته ، و الإيمان و الحق و العدالة و مسؤولية نجاة الإنسان ثقافته ، فماذا يُنتظر منه غير التضحية و بذل المُهج و الأنفس و الأرواح في سبيل أداء تكليفه أمثل أداء .

و كما السيدة الزهراء تحملت مع أبيها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أعباء الرسالة و أداء الأمانة ، و وقفت تنصر الحق و تدافع عن وصية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بكل شجاعة و إيمان و اقتدار ، كذلك تحملت ابنتها السيدة زينب (ع) بكل صبر و إقدام في أداء مهمتها و مساهمتها بدور مصيري و حاسم في إنجاح حركة الإمام الحسين (ع) التي كانت فداء و تضحية لا تهوراً أو طموحاً ، كانت فداء لإعادة روح الإسلام السمحة و ثقافته الإنسانية إلى الأمة .

   3- أن تدعو للحق و العدالة و تدافع عن القيم و الكرامة فإنك ستجابه من قبل المستكبرين لا محالة و في قصص الأنبياء و الأوصياء دلائل كافية ، و إصرار الإمام الحسين على المجابهة ، و إصرار الشقيقة زينب (ع) على المشاركة دليل ساطع على تفاعل ثقافة الأطهار مع خيار الأبرار ، كانا يعلمان تمام العلم أن نتيجة هذه المجابهة هي الشهادة و الأسر و لكنها في نهاية المطاف النصر (و العاقبة للمتقين) و استشهد الحسين (ع) ، و استشهد معه أنصاره و إخوته و أبناؤه في أرض كربلاء ، و فاضت أرواحهم المقدسة إلى السماوات العلى حيت الجنة المأوى و غدا استشهاده منارة للأحرار في كل عصر و مصر و لكل من ينصر الحق ولا ينحني رأسه إلا لله وحده و تابعت العقيلة الطاهرة زينب (ع) المجابهة و صمدت لتؤثر في مسار الحدث الجليل تخفف الآلام ، و تتحمل الفاجعة الكبرى بقلب مفعم بالإيمان ، و بنفس راضية مطمئنة واثقة بانتصار الدم على السيف ، مؤمنة بقول الحق تبارك و تعالى " و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"

و خلاصة القول هوية السيدة زينب عليها سلام الله (ذرية بعضها من بعض) و نهضتها من نهضة السبط الشهيد تترجم لنا معالم ثقافة أهل البيت عليهم السلام تلك الثقافة التي نمت و استمدت و ترعرعت في أضواء القرآن و فقه السيرة و تربية خير البرية ، أهم معالمها الثبات على الحق فالحق لابد أن ينتصر و الرفض للباطل و الإرهاب فالظلم لابد أن يندحر .

السلام على السيدة الطاهرة زينب يوم مولدها ، و السلام عليها يوم تحركت مع الحسين (ع) لتثأر للحق و تشاركه الواجب المقدس ، و السلام عليها يوم احتضنت وارث الوصية سيد الساجدين و زين العابدين ، و يوم أنقذت فاطمة بنت الحسين من

اهانة مرتزقة المستكبرين و السلام على السيدة زينب يوم توفيت و رقدت في راوية الشام لتبارك الشام و يتبارك بأنوارها أهل و أولياء و علماء الشام .

زينب بينت حيدر           معدن العلم و الهدى

 

عندها باب حطة            فادخلوا الباب سجدا

 

                                                   و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .