كلمة المفكر والباحث الأستاذ الدكتور ندرة اليازجي

السلام عليكم

موضوع محاضرتي

المسيح و الإمام

 

يشير هنري كوربان إلى أن نواة معتقد المسيحية الأولى ، أي اليهودية المسيحية  أي جماعة أورشليم كان للبحث في النبوة وفي ( النبي الحقيقي ) وعلى الرغم من أن تعليم بولس أخرج المسيحية من النطاق اليهودي لكن التعليم المتصل بمفهوم النبي الحقيقي ورثه الإسلام و طوره على نحو فلسفة نبوية  و بهذا العدد يتساءل كوربان إن  كان يسوع المسيح هو النبي الذي أنبأ به موسى في كتاب الاشتراع 15:19 هذا ،لأن معتقد اليهودية – المسيحية يحمل المعنى الخلاصي لإسرائيل بمجيء المسيح الثاني المنتظر و المنتصر .

وفي هذا المنظور ،

يقول كوربان : كما أن ظهور ( النبي الحقيقي ) لم ينته بموت المسيح ، كذلك كان الأمر ف معتقد الشيعة الاثني عشرية بالنسبة للإمام الثاني عشر ، علماً أن مفكري الشيعة رأوا في الإمام الثاني عشر

الغار قليط الذي أنبأ به إنجيل يوحنا ، و بالإضافة إلى ذلك ، يتحدث كوربان عن تلاقي إمام الإمامية و مسيح اليهودية – المسيحية في فكرة ( النور المحمدي )

أي ( الحقيقة النبوية الأزلية ) و في وظيفة إنارة القلب بالمعرفة التامة .

و كذلك يتحدث كوربان عن الترادف بين الإمام المعصوم في مفهوم الإمامة و معنى النبي الذي لا يخطئ في مفهوم اليهودية – المسيحية

و يتحدث كوربان أيضاً عن ( سبعة الغيب ) بحسب مفهوم ( الإبيونين ) أي السبعة التي ظهر فيهم

( المسيح الأزلي ) وهم أفنوخ ، و نوح ، و إبراهيم ، و اسحق ، و يعقوب ، و موسى ، ويسوع ،

وهم أركان العالم السبعة ، أو أركان العالم الثمانية متى ذكر آدم المسيح  الذي تجلى فيهم

و يقارن كوربان هذا التصور بتصور المانوية للأنبياء السبعة وهم آدم ، وشيث ، و نوح، ويسوع ، وبوذا ، و زرادشت و ماني

في معرض الحديث عن ( النور المحمدي ) أو ( الحقيقة النبوية الأزلية  )

يشير كوربان إلى أن الكائنات النورانية الأربعة عشر المعصومة ، أي النبي وابنته فاطمة و الأئمة الاثني عشر

هم تجليات إلهية وليسوا تجسيداً للألوهية .

وهذا هو الفرق الأساسي بين التصور الشيعي للإمام  والتصور المسيحي للمسيح

و يقول كوربان : إن نزول ( النور المحمدي ) في الأنبياء وبالتالي في هذا العالم لا يعني تجسداً

ولا يمت لتعليم بولس بصلة

لذا كان التصور الشيعي للمسيح أقرب إلى التصور اليهودي – المسيحي منه إلى التصور المسيحي الرسمي كما صورته المجامع الكنسية

أما ما يقارب بين تصور الإمام عند الشيعة و تصور المسيح فيظهر في فكرة الإمام الأزلي الموافقة لفكرة المسيح الأزلي ضمن مفهوم النبي الحقيقي

في اليهودية – المسيحية

في معرض الكلام عن الإمام الثاني عشر ، يقول كوربان إن معنى عودته في آخر الزمان يقرب قول المسيحية المعادية في ( جسد المسيح الروحي ) وقد حاول الفكر الإسلامي التدليل على أن محمد هو الغار قليط استناداً إلى مفهوم النبي الحقيقي في اليهودية – المسيحية

وقد تحولت هذه المقولة أو المفهوم إلى الإمام و ذلك بدليل القول المنسوب إلى الإمام الأول ( أنا الذي سمي إلياس في الإنجيل ) أو

( أنا المسيح الثاني أنا هو وهو أنا )

وهكذا يكون الغارقليط  هو الإمام المنتظر أي الإمام الثاني عشر

يخلص كوربان إلى القول : قد يكون ما يقارب بين الإمام و المسيح من حيث أن كل منهما وسيط بين الله و الناس

هو مفهوم التجلي في حين أن ما يباعد بينهما هو مفهوم التجسد

لما كان كوربان فيلسوفاً و مستشرقاً في آن واحد و متأثراً بحكمة الإشراق الهروردية فقد اعتقد أن ثمة درجات أو صعداً في التأويل يعود تباينها إلى تباين كيان  المتأول

وذلك استناداً إلى المبدأ القائل : إن كيفية الفهم تحكمها كيفية الكيان

ومع ذلك يوجد فرق بين كيان عادي و كيان روحاني

ويتبنى كوربان مقولة اصطفاء الله لبعض الناس دون غيرهم ، وجعلهم أنبياء أو أولياء أو أئمة دون الأخذ بالاعتقاد الشعبي القائل بأن الله سلط الملوك و أنعم على الأثرياء

وبالمثل نزل الله على كتب فيها كلامه و شريعته ، وأن لهذه الكتب من المعاني الظاهر و الباطن

ويعتقد أن ثمة من الوفاء من أحجبهم عن قول أي شيء في الله واعتقادهم أن الله لا يدرك بذاته

ومع ذلك اعتقدوا أن الله تكلم إلى أنبيائه و أنزل كتيب عليهم والسؤال المطروح هو :

كيف يكون كلام الله و كيف يصير هذا الكلام إلى الناس وفق صيغة كلام الناس؟

ولماذا تكون وساطة ملاك أو نبي أو إمام بين الله و الناس؟ وكيف يكون الباطن الروحي باطن الظاهر المادي ؟  وكيف تكون الصلة بينهما ؟

يرى كوربان أن الوضعين ماثلان في المبدأ الواحد دون افتراض تفوق المعنى الباطن على المعنى الظاهر

يقول كوربان : ولدت أفلاطونياً و أخذت بالماورائيات

وهذا ما جعلني أتحدث عن تاريخ مقدس غير التاريخ الزمني

وعن زمن أنفسي وعن لا مكان

وعن شرق وغرب غير ما تعرفه الجغرافيا وعن ملائكة وعن ذات مثالية يتمتع بها كل فرد من الناس إلى ما هنالك من المفاهيم  غير المرئية ومع ذلك يقول : إن العالم المرئي يتماثل مع العالم غير المرئي

يتحدث كوربان عن حاجة الناس إلى وسيط بينهم وبين الله

فيقول : تفسر هذه الحاجة بشعور الناس بما يباعد كيانهم المتناهي و الكائن اللامتناهي

لذا كان على الوسيط أن يكون له شيء من اللاهوت وشيء من الناسوت

ووفق هذا التفسير ينشأ اختلاف و تقارب بين المفهوم المسيحي والمفهوم الإسلامي الشيعي خصوصاً

يعتقد كوربان أن مرد الاختلاف و التقارب إلى اختلاف المسيحيين في تصورهم كيان المسيح

و يميز التصور المسيحي الرسمي عن التصور اليهودي المسيحي وعن التصور العرفاني أو الفنوحي للمسيح

ففي رأي الكنيسة أن المسيح هو الوسيط لكونه في آن واحد إلهاً و إنسانا ومع ذلك يمكن العودة إلى التصور المسيحي الخليقدوني و اليعقوبي و النسطوري عند الكتاب المسيحيين العرب وعلى النقض الإسلامي لهذا التصور

في التعابير الواردة في الكتابات المسيحية عن حضور الإله في الإنسان يسوع

الاتحاد و التجسد و التأنس يقابله تأله الإنسان ثم الامتزاج و الاختلاط والاتصال والاقتران ثم الحلول و الهيكل والتجلي والظهور

وفي التعابير الواردة في رد المسلمين : الاتحاد و التجلي و التأنس والحلول و التدرع والظهور والاختلاط والامتزاج والحجاب و الهيكل و التدبير , دبر , و دثر

نخلص إلى القول : إن تشعية الاتحاد و التجسد بالظهور و التجلي قد يقارب بين المسيح والإمام خصوصاً متى ذكرنا قول بولس الرسول في المسيح إنه صورة الله

( اكورننوس 7:11 ) و ( 2 كورننوس 4:4 ) و ( كولوسي 15:1 ) و ( عبرانين 3:1 و5) وكذلك يقول بولس في ( رومانين 29:8 ) إن الذين سبق أن عرفهم الله هم مشابهو ن صورة ابنه وفي غلاطية 20:2 يقول بولس ( أنا بل المسيح يحيا في )

وفي اكوزنتوس 23:15

يقول : هكذا قيامة الأموات يزرع الجسد بفساد و يقوم بلا فساد يزرع جسد حيواني و يقوم جسد روحاني

لكن أكان فرق بين تجسد الكلمة في يسوع فصار مسيحياً وظهور الصورة الالهية في مرآة الإمام أم كان بينهما تشابه يبقى أن نسأل : كيف يمكن ان يكون وسيط بين اللامتناهي و المتناهي أي كيف يكون لمرآة  بشرية أن تعكس صورة إلهية وكيف يكون للوسيط وجه إلهي ووجه بشري في كيانه الواحد

وثمة سؤال أخر أساسي : كيف يمكن أن يكون إلى وجود اللامتناهي  وجود كائنات متناهية أي كيف يكون الوجود اللامتناهي الوجود كله ويكون مع ذلك في الوجود كائنات متناهية أي كيف يكون اللامتناهي الوجود كله ويكون مع ذلك في الوجود كائنات مغايرة له

فإما أن يكون اللامتناهي هي وحدة في العصور و إما أن يكون وجود واحد فلا يكون فصل بين متناه ولامتناه

أخيراً نقول على لسان أحد الحكماء :

العالم ليس له وجود غير إلهي فالخليقة هي ظهور إلهي

كان الله ولم يكن معه شيء ولما يزل كذلك فلتم الاستمرار بالقول بالإله و الإنسان و بالتعالي و المثول وبالتجسد والتجلي وبعالم مادي وعالم روحي

علماً بأنها صياغات تعبيرية للعقل البشري الذي يرجوا التوفيق أو التأليف بين الأعلى والأدنى ويسعى إلى التوفيق بين التجلي و التجسد في كيان توحيدي لا يخضع لظاهر الحف بل لباطن المعنى

والسلام عليكم