كلمة الباحث الأديب
الأستاذ يحيى الراضي ( من السعودية)
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ملامح ثقافة أهل
البيت
في عاصمة الثقافة العربية
في المبتدأ يجب إعلان التحيات لإدارة مهرجان النجمة المحمدية و التقدير لما يقوم به الدكتور عصام عباس الذي لم يجعل خطاب الوحدة معلقاً على جدران المحافل و إنما اتجه به نحو الفعل فهو لا يقول الوحدة شعاراً وإنما يفعلها إلتزاماً، مما يمكن أن نستوحيه من لسان العرب لمفردة الثقافة
أن معنى كون دمشق عاصمة الثقافة هو أنها تحذق الأمور بفهم وتضبط ما تحويه قائمة به وتظفر بما تطلب ثابتة المعرفة بما تحتاج إليه وتثقيف الرماح العربية تسويتها وتعديل المعوج منها .. هذا بحسب المعجم اللغوي – أما بحسب المعجم الفكري
فإن الحذاقة لا تكون إلا مع استيعاب ألوان الوعي والتئام الكثرة في عين الوحدة و الوحدة في فضاء الكثرة
بهذه الثقافة المعجمية يتم تقويم الجسد و تهذيب الروح للاهتداء على صراط مستقيم يمر عبر أوتستراد المزة مابين بلدة السيدة زينب وبين الجامع الأموي ثقافة فطنة جامعة للإختلاف و ما بين حي الشيخ محي الدين و بين كنائس باب توما
ثقافة تهذيب جامعة للرسالات و كأن تعريف الثقافة ينبت من جسد شامي قبل أن ينبعث من روح لغوي لتبدأ الشام منذ أزلها حوار ثقافات يغازل المسجد الكنيسة بعذرية سماوية ولا يهتف منبر مسجد قبة مسجد آخر
هنا مسلم يرمق الكنيسة بلطافة كأنه قبال هالة وجه اليسوع وهنا تنتقل الحمائم المتنسكة بسلام بين سطوح المسجد الأموي و مقام رقية
دوره السماح هذي سنة الله ( ولن تجد لسنة الله بديلاً )
فطرة أفق نقي في حنان مريمي زينبي و تقرع النواقيس على مسامع يوميات المنازل يا أيها المختلف المؤتلف ( أنت إنسان و أنا إنسان )
ويمشي كل امرئ قابضاً على إنسانيته بأنفاسه لأن الإنسانية أعلى من كل شيء وهي أعظم دلائل الألوهة كل العقائد و المصالح في خدمة الإنسان مجال تجلي الألوهية
وعنوان مهرجان النجمة المحمدية
( ثقافة أهل البيت
في عاصمة الثقافة العربية )
يوحى ما وراء العنوان بما ذكر آنفاً من رؤية الوحدة في عين الكثرة أو الكثرة في قلب الوحدة
وهي ثقافة ليست دخلية على الشام كثقافة الروم و إنما التي فتحت قلب الشام بالمودة في القربى و التطهير من الرجس ولم يكن الرجس إلا حذاء الغزاة و إثم الأحقاد
ولنقف هنا في حضرة
زينب
راية هذه الثقافة المنطبعة في الوجدان الشامي كآية ترتلها الأنفاس بالابتهالات و
التسابيح
لنقف هنا بين القلب و العقل نطل على ملامح ثقافة أهل البيت في مناحيها المتعددة : ( السلام و المعرفة و النقد )
المنحى السلمي بين الأمة
الثقافة صانعة سلوك إما أن يبعث على المقاومة التحريرية أو يبعث على الإرهاب أو ينسج مسلك خنوع
وثقافة أهل البيت في أصولها هي ثقافة حوارية حيوية معتدلة و الناظر إلى سيرة أهل البيت لا يجد فيها موضعاً للعدوان و التطرف حتى في أصعب المواجهات أيام الأئمة الأوائل ( علي و الحسن والحسين ) عليهم السلام ، وبعد الواقعة الاستثنائية ( واقعة الطف ) اتجهت السيرة الإمامية إلى طرائق أخرى من النهوض في آفاق الغريزة الروحية و التجديد المعرفي و العطاء الاجتماعي هكذا كان نهج الأئمة التسعة من ذرية الحسين دون تسجيل نقطة سوداء في سيرتهم الناصعة
وفي تأكيد المنحى السلمي تزدحم الشواهد بعناوين كثيرة طابعها العام هو السمو التنزيهي مثل :
1- منهج الحكم العادل و الموقف من المعارضة عند الإمام علي عليه السلام
2- الإمام زين العابدين عليه السلام : وكفالة العوائل الأموية خلال أيام ثورة المدينة
3- الدعاء للجيش ( أهل الثغور ) في ظل دولة كان الإمام يعارضها
4- نصح الإمام الباقر للحكام ومن ذلك مشورته على الحاكم بوضع عملة مستقلة
هذه المواقف وغيرها لم يسجل التاريخ أي تواطؤ عدائي للأئمة على تيارات الأمة و لا أي تآمر على السلطة ولو كانت غير شرعية ولم يندفع الأئمة لدعوات معنى الفئات للقتال أو الزج بالمواليين للتمرد حتى لو يكون القادة من أرحام أهل البيت عليهم السلام
المنحى الموسوعي للمعرفة
هذا المنحى خط رئيس نجده في جامعة الإمام الصادق عليه السلام من حيث الإحاطة بأهم معارف عصر تلك الجامعة من علوم دينية أو طبيعية أو إنسانية
ويمكن الرجوع إلى كتب المختصة في هذا المجال بينها كتاب (الإمام الصادق و علماء الغرب )
بيد أن اللافت للانتباه براءة هذه الجامعة الموسوعية في تكوين فقه الخلاف مما جذب إليها جماهير الطلاب بما فيهم أئمة المذاهب من أمثال أبي حنيفة ومالك
وتقاطرت إليه العقول من كل صوت لتنتشر في كل صوب
ويصف الراوية الثقة الحسن ابن علي الوشا اثر الجامعة بالقول : ( أدركت في هذا المسجد – مسجد الكوفة – تسعمائة شيخ كل يقول حدثني جعفر بن محمد )
ولنأخذ بالحسبان أن جعفر بن محمد كان بدوره مستقراً في الحجاز
المنحى النقدي :
يمكن لنا تحديد النقد بأنه التقويم و بيان ما في الشيء من عيوب أو محاسن ورغم صعوبة تقبل المنهج النقدي إلا انه من مكونات المعرفة الراقية والمنحى النقدي من أبرز ملامح ثقافة أهل البيت على اتجاهين
الأول : النقد في الاتجاه الخارجي
فقد تلقت المدرسة الامامية الإشكالات و الشبهات بروح سبحانية رحبة وذهنية استدلالية بعيداً عن التعصب و التكفير لا سيما في عصر حضور الأئمة أنفسهم وحتى حين يحتدم الجدل بالمغالطات حول قضايا من أصول الدين أو فروعه فان الأخلاقية الحوارية كانت هي السائدة ويبدو لنا أن الاتجاه التصعيدي الحاد في الجدل المذهبي بلهجته الطائفية لم يكن أصيلاً و أنما هو خلل دخيل طرأ على الفكر الديني في عهود متأخرة لاسيما في عهود الدويلات والانحطاط و ملوك الطوائف فانحرف المنحى النقدي إلى منعطف آخر خارج طريقة الحوار عند أهل البيت
ومن هنا كان لابد من النقد للاتجاه الثاني
الثاني : النقد في الاتجاه الداخلي
النقد الذاتي هو السمة الإصلاحية التي قلما نجدها في الاتجاهات الفكرية فالجمع يعمل على إبراز مناقبياته بمدح الذات لكن مدرسة أهل البيت عليهم السلام
زمن حضور الأئمة عملت على تحسين المدرسة بتقدير أعلام تلامذة المدرسة من تجاوز التفكير العلمي و شرعية السلوك
وقد اضطر الأئمة في مواقف عديدة إلى التنبؤ من شخصيات مريبة كانت محسوبة على المدرسة وكان الرفض واضحاً لأشكال التطرف العقيدي ولرواية الأحاديث المكذوبة وعلى هذا الأساس تجد مدرسة أهل البيت في المبنى الأشهر أنه لا يوجد كتاب منهج السند في كامل محتوياته سوى القرآن الكريم و ما عداه من كتب فهو مجهود بشري قابل للمراجعة بحسب قواعد علم الرواية وتقييم الرواة وهذا يعني أن مصادر المعرفة قابلة للنقد على أساس المعايير القرآنية و الأخلاقية أما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض
اسمحوا لي أيها الفضلاء
أن أؤكد على أن ثقافة أهل البيت الأصلية لا تعمل بنوايا السطو و الغزو و اختراق المذاهب لأنها ليست ثقافة استعمارية وليست هجمة عدوانية
وإنما هي ثقافة الشرعة السمحاء التي تصف حتى من قاتلها على لسان إمامها بالقول ( هم إخواننا بغوا علينا )
ثم اسمحوا لي
أن أناشد بصائركم للتوقف في حضرة الرسالات السماوية و العقائد الأصلية لنرى مقام الإنسان فيها سامياً فمن أجله نزلت الرسالات ومن أجل الإنسان ثم تأصيل العقائد ولا يكلف الله الإنسان أن يضع كيانه على مذبح العقيدة لأن العقيدة للحياة لا للموت والعقيدة للحب لا للكراهية وتلك هي مهمة الديانات السماوية هي الكشف عن تلك العلاقة المقدسة في ثنائية (الله والإنسان )
وأي شيء أهم من الإنسان
الإنسان الذي سخر الله له الأرض وما عليها ووهب لروحه العقائد و النبوات ولو عرف الإنسان نفسه لعرف ربه
وعرف أنه في الحياة للمحبة لا للكراهية وللتواصل لا للتقاطع وهذا ما نطق به إمام نهج البلاغة ( الناس صفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق )
وهذا هو دين الإنسان الأصيل الذي لم تعكره الشوائب ولم تحرفه الأغراض ولم تشوهه العصبيات
الدين رحمة مهداة و محبة لبني الإنسان
فهل صار علينا أن نبحث عن النبع الصافي بين أنقاض الشوائب
وهل آن الأوان أن يميز الفكر بين الدخيل وبين الأصيل ، بين النص وبين التفسير ، بين تنوير العقل وظلامية الطيش؟؟؟