كلمة
القس معن بيطاررئيس
السنودس الإنجيلي الوطني في سورية ولبنان
يفترض أن من يخصّص وقت لمناسبات كهذه، وأن يقدّر قيمة هذه المناسبات، نحن ما اجتمعنا هنا لكي يصغي واحد لكلام آخر، ثم يأتي الآخر فيذهب، وكأننا أدينا واجباً.
لو كان رئيس البلاد في هذا المكان، وأتيتم لتقدموا له آيات من الشكر والتقدير والامتنان والتعظيم للدور الذي يقوم به لخير العباد والبشر والوطن، هل كان بيننا من
ينسحب لسبب أو لآخر؟
فإذا كانت السيدة التي نتحف الآذان بأسماعنا شعراً أو فكراً أو نثراً في معرض ذكراها، ونبجّل ونعظم، وعندما ننتهي من دورنا هنا يكون لنا مكان آخر، أنا لا ألوم أحداً،
ولكن أنا أعرف أن كلاً منكم وقته ثمين، فالصلاة عبادة روحية يرتقي بها الإنسان ليتواصل مع سرّ الكون فيأخذ منه القوة، هذه القوة تجعله قادراً أن يعطي، أن يعيش،
أن يتصرّف، أن يحيا مع الآخر، حباً وسلاماً.
قوّة حبي لكم هي الصلاة والعبادة، فإذاً اجتماعكم الآن صلاة وعبادة.
أحيّيكم بعد هذه المقدمة كما سمعت من أحد الأصدقاء قال: (مشكلجي)، يا أحباء أنتم قد لا تعرفون هناك من يسمّى اسمحوا لي واعذروني وازرعوها في ذقني، هناك من
يسمى بالإنسان الحر، الإنسان الحر يربّى، الإنسان الحر نطفة من بشر، وروح مقدس ليس من بشر، أنا أريد في كلامي الذي سبق أن أقول لكم: كيف نبني إنساناً حراً
في بلاد، في دمشق العروبة والإسلام كما سمعنا.
وسأعود أيّ نوع من الإسلام. كيف نبني إنساناً حراً؟ كيف نبني هذا الإنسان الذي يتضايق إذا ما وجد نقصاً في أيّ أمر، ويسر إذا ما وجد كمالاً في أي أمر.
أحيّكم بأجمل تحية، وأعذب كلمة، وأقدس عبارة، وأروع لغة، وفيكم يا شعرائنا، وفيكم على ذلك على هذه التحية، بتحية الإسلام، السلام عليكم، والسلام لكم، والسلام
فيكم، وبكم السلام للعالم.
تحية الإسلام، يا أحباب أعذروني سمعت هذه العبارة مرة، وما كنت قادراً إلا أن أتوقف عليها، العروبة جسد وروحه الإسلام، أو العروبة هي الجسد والروح هو الإسلام،
أي إسلام؟ هل إسلام القرآن؟ أم إسلام الإنجيل؟ أم إسلام آخر على منهج زينب أو غيرها؟ أي إسلام؟
أية عروبة إذا كان المقصود بالعروبة هو الجسد والإسلام هو الروح بمعنى المحمدي؟ فأين المسيحي؟ لكن إذا قلنا وعبارات كهذه في التثقيف والتوجيه والتوعية يجب أن
لا تمر بعد اليوم إلا بشرخ يعطي معناها وأبعادها الحقيقية.
الإسلام الذي يتجاوز النصوص والطوائف والأديان، إذا كان الدين عند الله الإسلام بمعنى الإله الواحد الأحد الذي يعبد، الدين عنده الإسلام بمعنى أنت دين له لا يمكن أن
تعبده إلا إذا كنت ألزمت قلبك لإرادته، بهذا المعنى كلنا مسلمون لرب العالمين.
وبهذا المعنى يكون لي مكان، ولأياً كان مكان حتى لأصحاب الحكمة والعقل من غير هذه العناوين يكون إن كان لهم في قلبهم تسليم لسلطة وإرادة وقدرة إلهية، يكون أيضاً
يشاركوننا بهذه الصفة الكونية الإسلام والمسلمون.
إذاً الإله الواحد، الدين واحد، والرسالة واحدة، وبعد هذا التصحيح الدين واحد، والإله واحد، والرسالة واحدة، وإن تعددت النماذج، وإن تنوعت الصورة، وتعددت ألوان
وفسيفساء اللوحة، الرسالة واحدة، وهي اليوم أختار من عناصر تلك الرسالة بعضها، فأقول: الرسالة في الأديان، بغضّ النظر عن النصوص والطقوس ــ كما قال شيخنا
قبل قليل ــ الرسالة في قلب الإيمان هي الحرية للإنسان، والكرامة لهذه الصورة الذي فيك وفيكِ وفيّ، إن فينا صورةٌ إلهية، الصورة الإلهية تجسّدت في هذا الإنسان،
فكانت الحرية، وكرامة هذا الإنسان هي جوهر كل رسالة سماوية.
لذلك وقفت تلك اللبوة وآخذ فقط صفة، وقفت تلك اللبوة في وجه أعتى قوة، وأقوى سلطة، وقفت وقفة الإنسان الذي فيه صورة خالقه حراً كريماً، تقول له: أنت لست إلا
(بلغتي أنا) لست إلا تراباً دوداً من الأرض ستعود إليها فكيف تهين من حملت رسالة الحق، وحق الرسالة هداية للإنسانية؟
إذاً وقفت تلك اللبوة لأنها أدركت من رسالة وعلم وثقافة أهل البيت، آل البيت، بيت النبوة، وحمل هذه الرسالة للإنسانية تشرّبتها رضعتها، آمنت بها، فهمتها، فكانت بذلك
حرة لبوة. استطاعت من ذاك البيت أن تأخذ تلك القوة فتقف في وجه صاحب السلطة الغاشمة، وتقول له: الإنسان، ثم الإنسان، فحريته وكرامته مقدسة، وأنت تهين
أمثالي أيها الذليل.. أين هم المسلمون؟ أين هو الإسلام. الذي أقصده الآن: أين هم المسلمون الإنجيليون؟ وأين هم المسلمون لرب العالمين حسب عيسى يسوع المسيح؟
وأين هم المسلمون حسب القرآن ورسول النبوة؟ أين هم؟ أين هؤلاء الأحرار الأسود واللبوات؟ ما عنا نحنا رجل وامرأة، أين هم هؤلاء الذين يقفون في وجه السلطة
الغاشمة؟
فيقول لأي كان: أنت تهين الإنسان، ونحن تربينا على رسالات تقول: إن الإنسان مكرم حر لأن صورة الخالق فيه، فكيف أن تستعبده أو تهينه أو إلى آخره؟
أين هؤلاء الذين يقفون في وجه هذه السلطة؟ الجواب: في كل مكان.
اسمعوا يا أحباب في كل مكان هؤلاء يوجدون، ولكن نحن نريد اليوم في هذه اللقاءات الثقافية وأمثالها، نحن شريحة وأنا آتي في الطريق، قلت: إلى أين أنا ذاهب إلى
شريحة إلى جماعة نلتقي من المثقفين، وهذا الشعب وهؤلاء الناس وتلك المظاهر التي تشير على أن الإنسان الذي نتكلم عنه لم نوجده بعد، لم نستطع أن، وأنا أقول
السهل الممتنع لن أوضح، لم نوجده بعد.
إذاً هؤلاء يوجدون في كل مكان، هؤلاء الأسود وتلك اللبوات، ولكن نريد أن نجتمع، نريد أن نتجمع، لكي نشكل قوة لا تقف فقط في وجه السلطان فيسحقنا، بل تقف
وتستطيع أن تفعل فعلاً لأني إذا وقفت في وجه القوة وسحقتني فلم أعدّ لها ما استطعت من قوة لأواجهها كما يجب، فأنا أكون منفعلاً متحمساً.
إذاً نحن لا نريد لهذه المناسبات، لهذه الذكريات العظيمة في دمشق عاصمة الثقافة العربية، لا نريد أن نتكلم فقط، بل أن نوحد تلك الكلمات القوية لنجعل منها قوة قادرة أن
تعيد للتاريخ موقعه في هذه البلاد.
لماذا لم يعد لنا دور في التاريخ؟ ونحن إذ نقول دمشق عاصمة الثقافة العربية، نقول دمشق عاصمة بلاد الشام، بلاد الحضارة والتاريخ والفلسفة والرسالات السماوية،
بلاد الحضارة والفكر والفلسفة الروحية.
هل أصبحت هذه الحضارة لتلك البلاد، لتلك الفلسفة الروحية، أصبحت لا قوة لها؟ هل أصبحنا عندنا كثر من رجال الدين والمفكرين الروحيين والشعراء ولا قيامة لنا؟
هل تعلمون لماذا؟
في الختام، الجواب: لأننا لا نريد أن نحمل صلباننا، زينب السيدة العظيمة تلك اللبوة حملت صليبها، والأنبياء حملوا صلبانهم، والعظماء يحملون صلبانهم، فليست لأمة
حياة بدون عظماء فيها يحملون صلبانهم. شعب مستعد أن يرتفع على الصليب، قادة، مفكرون، رجال دين وغيرهم مستعدون أن يرتفعوا على الصلبان، صدقوني لا
قيامة، كله كلام.
إذاً، لنعيد التاريخ موقعه في هذه البلاد، ولنعيد لهذه البلاد موقعه في التاريخ، يجب من يرفع على الصلبان، ومن يستطيع أن يرتفع على الصليب، هذا يكون شعاعٌ من
الأشعة الإلهية التي تكون شُهباً تنير ظلمة الأرض، وإن عبرت فيها إلى حين، ولكن بنور تلك الشُّهب يصنع المستقبل، ونصنع التاريخ.
فيا أيتها الشهاب، يا زينب شهابٌ، ويا أنبياء شهب، ويا عظماء، وأنتم ومن بينكم، علينا أن نشكّل هذه الشهب التي تحترق، وهي تعبُر في ظلمة الأرض لتنيرها مرة،
لتصنع التاريخ. وشكراً.