آية الله السيد أحمد الواحدي متولي مقام السيدة سكينة بنت الإمام علي في داريا

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا أبي القاسم محمد، وعلى آله الأطهار، لاسيما على مهديهم، وهو قريب الإخوة المسيحيين، كما قال الأستاذ المحترم (عجل الله فرجه).

السلام على السيدة العقيلة زينب الكبرى، وعلى أبيها، وعلى جدها، وأمها وأخويها، وأهل بيتها، وعليكم أيها الحضور الكرام، ورحمة الله وبركاته.

أقدّر وأقدّس جهود الأستاذ الدكتور عصام (حفظه الله) في ذكرى السيدة المكرمة الشريفة على تعبيره في إعلامه وإجرائه المعنون بـSالنجمة المحمديةR، فجزاه الله خيراً، وأحبّز اختياره لهذا الاسم للسيدة زينب، صحيح أنها النجمة المحمدية باعتبار نسبها وباعتبار أسرتها، وأما باعتبار صفة معنويتها وبطانتها وثقافتها وعزتها، وباعتبار سعة هذه الأمور وأمثالها يجب أن نعتبرها Sنجمة الكون والكائناتR، لأنها أوسع من نجمة الشعراء، وأكبر من سعة نجمة الشعراء، وهي سيدة النساء بعد أمها السيدة فاطمة الزهراء 8.. والسيدة زينب 7 وإن كانت امرأة، ولكن يفتخر بها الرجال، بل ليس للرجال فضل عليها، كما أنّ للقمر ليس له فخر باعتبار أنه ذكر على الشمس باعتبار أنها أنثى، فالشمس طالعة ولكن القمر بازغ، صحيح ليس للقمر فخر على الشمس لأن استنارته على الشمس.

أهنئكم جميعاً بهذا الميلاد الكريم، ولدت السيدة زينب ( في اليوم الخامس من جمادي الأولى في السنة الخامسة من الهجرة، وتوفيت في سنة ستين للهجرة في منتصف رجب، فهي وليدة بيت الوحي، ورضيعة العلم والحكمة، وطيبة الفصاحة والبلاغة Sعالمة غير معلّمة فهمة غير مفهمةR، وهي صاحبة معال عالية.

وما أخذت من أيّ مشيخة، ولا تخرجت على أيّ معلم، بل أخذت وورثت من جدّها وأبويها وأخويها (صلوات الله عليهم)، وعلمها لا لدنّي أما كسبي، وكسبي من مهبط الوحي، ليس مثل علم جده رسول الله 9، علمها من رسول الله 9، وعلم رسول الله 9 علم لدنّي.

وهي بطلة تمثّل أباها في نزالها، في جهادها، في عبادتها، في كثير من الأمور، وهي مجاهدة منازلة، فهي ابنة أباها علي بن أبي طالب + أسد باسل يطحنهم في الحروب إذا اختلفت الأسنّة وقربت الأعنة، طحن الرحى ويذروهم فيها ذر الريح الهشيم.

هذا صفة علي في الحروب والجهاد، أما سيدتنا زينب ( فهي ممثلته، وهي صاحبة البيان، والكلام القويم، وتكسر العدو وتلجم العدو، كما أنها قامت وهي أسيرة بين يدي طاغية، بين يدي ذلك المغرور القاهر الجائر، وهي أسيرة بين يديه، فقامت بمواجهة الحكومة الجائرة، وتكلمت بكلمة ألجمت الطاغية، وقالت من جملة ما قالت، لا يخيفها غلبة العدو القاهر، مخاطبة له وتسنده إلى البلاهة والسفاهة والظلم والجناية: Sأمن العدل يا بن الطلقاءR.. والآخرون يقولون عنه: يا أمير المؤمنين.. يا خليفة المسلمين. أما هي فتخاطبه قائلة: Sيا بن الطلقاءR، نسيت بأنّ جدنا جعلكم طلقاء Sأمن العدل يا بن الطلقاءR.. وتخاطبه قائلة له: Sولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك فإني والله لأستصغر قدرك، واستقرع توبيخكR فأنا بنت علي بن أبي طالب.

Sولكن الوجوه عبرى، ألا فالعجب كل العجب، بقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاءR أنتم من حزب الشيطان، أنتم طلقاء، وأنتم غير قابلين ولائقين للمكالمة والمخاطبة، وفي الختام قالت بترهيب وتخويف: Sفكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فو الله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدناR.

وأخيراً أسكتته Sفهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عددR، من تخاطب؟ تخاطب الطاغية أمير المؤمنين.. ذاك العصر، إمام المسلمين.. ذاك العصر Sفهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمينR.

وهذه شارة إلى بطولتها وجهادها، ألجمت الطاغية وأسكتته، هذا الطاغية الذي كان مغروراً بانتصاره على الحسين +، وكان يعربد ويسكر، ويتمسك بشعر ابن الزبعرى في انتصار المشركين على المسلمين في واقعة أحد، بمواجهة انتصار المسلمين في معركة بدر، فكان يزيد يتمثل بتلك الأبيات الشعرية، ومنها:

لست من خندف إن لم أنتقم

 

 

من بني أحمد ما كان فعل

 

لذلك سيدتنا زينب ( أجابته، حيث اضطر الطاغية أن يتنازل ويعتذر ويتندم، وقال: Sقبح الله ابن مرجانة حيث إنه ارتكب هذه الجنايةR.

وهذه إشارة إلى بطولتها ونزالها وجهادها، وأما من الناحية الثقافية والفضيلة فهي كانت شابة مثقّفة في زمن أبيها، وكانت لها جلسات الدروس لنساء الكوفة، يجتمعن عندها وهي تفسّر القرآن الكريم لهن، في يوم من الأيام سيدنا أمير المؤمنين ذهب ووجد أن سيدتنا زينب ( مشغولة بتفسير الآية الأولى من سورة مريم ﮋ ﭑ  ﮊ[1].

فقال لها أمير المؤمنين: يا قرة عيني تفسرينﮋ ﭑ  ﮊ للنساء؟

قالت: نعم يا أبت. قال: أما هذه فهي رمز مظلوميتكم، وهي رمز مصيبتكم عترة الرسول.. وبعدها شرح لها المصيبة، فالكاف رمز كربلاء، والهاء رمز شهادة الحسين، والياء رمز يزيد بن معاوية، والعين رمز عطش الحسين وأولاده، والصاد رمز صبرهم.

فبكت السيدة زينب بكاءاً عالياً.

وكانت السيدة زينب ( فقيهة وعالمة، وبعد الإمام الحسين كان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام، وهي تجيبهم 7. وكانت تجيب على المسائل حتى برأ سيدنا زين العابدين الإمام المعصوم، فسلمت هذا المنصب إليه +، وفي نفس الوقت كانت من أعبد الناس لأنها في طول عمرها ما تركت تهجدها في الليل، حتى أنّ سيدنا زين العابدين قال: في طول سفرنا إلى الشام ما تركت ليلة تهجدها.

وفي وداعه الأخير حينما ودع أهله ودع الإمام الحسين السيدة زينب ) فطلب منها أن لا تنساه في نافلة ليلها، الحسين إمام معصوم قال: يا أختاه لا تنسيني في نافلة ليلتك.. هذه زينب 7، وهي شريكة الحسين في نهضته المقدسة، ومكملة لهذه النهضة، إذا لم تكن زينب ( لم تكن هناك أثر لهذه النهضة، بل لم يكن هناك اسم للحسين +.

أيها الحضور.. هنا في الشام حينما سمعوا علياً : قد قتل في محراب العبادة، كانوا يقولون: أكان علي يصلي؟ إلى هذا الحد كانت الافتراءات والاتهامات على علي وأهل بيته، فإذا لم تخطب السيدة زينب 7 بهذه الخطبة القاصعة من كان يعرف عن هذه النهضة شيئاً.

لقد سجلت بذلك، وتجاوزت اللحظة المجيدة، وأدت واجبها ورسالتها تجاه الله عز وجل وأخيها الحسين (صلوات الله عليه). هنا أكتفي بذلك، وأتلو عليكم ببعض الأبيات الشعرية نقلاً عن آية الله العظمى الكمباني الأصفهاني، وهو شيخ الفلاسفة والفقهاء والأدب H في خصوص السيدة زينب (:

مليكة الدنيا عقيلة النساء
شريكة الشريف في مصائبه
بل هي ناموس ربات العضمة
ما ورثته من نبي الرحمة
فإنها سلامة الولاية
سر أبيها في علو الهمّة
بيانها يفصح عن بيانه
ناهيك فيها الخطب المعسولة

 

 

عديلة خامس أصحاب الكساء
كفيلة السجاد في نوائبه
سيدة العقائل المعظمة
جوامع العلم أصول الحكمة
ولاية ليس لها نهاية
والصبر في شدائد المهمة
كأنه تفرغ عن لسانه
فإنها كالدرر المنصورة

 

والسلام عليكم، مع الشكر لحسن إصغاءكم، ورحمة الله وبركاته.


 

[1] مريم: 1.