أهلا بكم أيها الحضور الكريم من مسؤولين
ورجال دين مسيحيين ومسلمين علمانيين ومؤمنين بالحق وبالقيم الإلهية والإنسانية.
أهلا بكم في رحاب هذه الكنيسة التي تعتبركم من أهل البيت. هكذا أعلم الذين يتعلمون
مني في الكنائس التي أرعاها في محافظة حماه وهكذا يعرفني أبناء سينودسنا الذي هو
مجموع الكنائس الإنجيلية المشيخية في سوريا ولبنان.
إننا جميعاً أهل بيت إلهي هو الأرض التي نوجد عليها، وجميعنا أبناء ملكوت تحكمه الإرادة الإلهية في النهاية.
مهما اختلفت تسمياتنا فنحن في أساس وجودنا أسرة إنسانية سيدها واحد وسلطانه إلى دهر الدهور على هذا الأساس أعلم وأعظ السامعين لي وأتعامل وأنظر للآخر.
دعوني أصارحكم بشيء من العفوية والبساطة مع الصدق والواقعية أنه رغم كل ما ذكرت إلا أنني لم استطع حتى الآن أن أجعل جميع من يحيط بي على ذات المستوى من هذا التوجه وإن كان الكثير منهم يقترب من ذلك شيئاً فشيئاً.
هذا اللقاء اليوم هو أشبه بصدمة خلاقة علها تؤدي إلى دفع سفينتي مع الذين على ظهرها نحو الأفق المنشود. لذلك أقول لكم بصراحة أن البعض جاء يراقب والبعض يتساءل وربما بيننا من يستهجن ولكن الذين أسست عليهم هذه الدعوة للاحتفال بذكرى ميلاد هذه السيدة العظيمة زينب القائدة المميزة في تاريخ الإنسانية يؤيدون ويباركون ويحلمون معي بالنتائج الجميلة والمفيدة لهذا اللقاء.
ونحن بانتظار وصول وفدنا من دمشق أقول أيضاً
ربما يهمس البعض: ماذا يفعل هذا القس؟ وهل يعلم أنه يمثل طائفة وسينودساً على مستوى
سوريا ولبنان؟!
داعٍ مشايخ ومسؤولين ليحتفل بذكرى ميلاد سيدة من سيدات الدين الإسلامي. ماذا حصل؟ هل انقلبت المفاهيم واختلطت الألوان فأصبح هذا القس لا يميز بين النسوة وانتماءاتهم؟
في الحقيقة لم يحصل عندي عمى ألوان وأنا أعلم أن هذا الاحتفال هو الأول من نوعه منذ وجد الإسلام إلى اليوم وأنه ليس بالأمر البسيط وليس خطوة من نوع تحتاج لقليل من الانفتاح أو الديمقراطية واحترام الآخر حتى تحصل عند هذا المسؤول الروحي أو ذاك، إلى آخر ما هنالك من مبررات.
الحقيقة أيها الأحباء أن هذه الخطوة ليست بهذه البساطة فهي تقوم على صدق كامل مع الذات وقناعة حقيقية بها في المضمون وليس الشكل ودون أي مجاملات أو اعتبارات أو تكتيكات ... الخ فإن نجحت هذه الخطوة وكان لها أثرٌ إيجابيٌ وفعلٌ حقيقيٌ في نفوسكم ونفوس من يطلع عليها فهذا يعني أن أسس قيامهما - كما ذكرت- حقيقية.
دعوني أتابع على هذا الأساس من الصدق والقناعة فأطلعكم على بعض الأمور:
قالت لي سيدة: "ما علاقتنا نحن بالسيدة زينب
لنحتفي في الكنيسة بذكرى ميلادها؟" قلت لها: هل تعرفين شيئاً عن هذه السيدة؟ قالت:
"لا" قلت: إذا كيف تحكمين على أمر لا تعرفين عنه شيئاً؛ على أي أساس تحكمين؛ على أي
أساس نحكم على الأشياء والأمور والأشخاص والمفكرين والقادة والمسؤولين والحقائق
والأفكار.. الخ؟ أين كل ما علمتكم إياه عن أسس الحكم الصحيح والعادل الذي قال عنه
يسوع المسيح: "لا تحكموا حسب الظاهر بل احكموا حكماً
عادلاً... تعرفون الحق والحق يحرركم" قالت: " لا تفهمني خطأ يا قسيس أنا لست
ضد ذلك ولكن ليكن الأمر مشاركة وليس دعوة للكنيسة. ليكن اللقاء في المركز الثقافي
مثلاً ونحن نشارك." قلت: لا بل في الكنيسة وستدركون في يوم من الأيام قيمة ما أنا
فاعل وحاسبوني وقتها.
أيها الحضور الكريم سأذكر لكم في نظام كنيستنا كيف يُحاسَب المخطئون لكن دعوني أذكر أيضا قبل ذلك ما قاله لي آخر: "يا قسيس أنت تحاول أن تصنع شيئاً تـُظهر فيه للناس الانفتاح وقبول الآخر وما إليه ولكن هذا الآخر هو نفسه لا يقبلنا". سألته: بأي معنى لا يقبلك؟. أجاب أجوبة تقليدية وغير مركزة منها: "لا يؤمنون بما نؤمن به نحن من صلب المسيح ولاهوته وغير ذلك". قلت له - والبعض كان يسمع- هل تعلم أن أخوتنا المسلمين وحسب القرآن الكريم لا يمكن لهم أن لا يقبلوا يسوع المسيح، فهم يؤمنون أنه من روح الله وأنه مقتدر بسلطان الله. ألا تعتقد معي أن هذا باب عظيم إن دخلنا معاً منه قد نصل إلى كثير من التقارب والتلاقي والتفاهم الذي يزيل سوء الفهم المشترك بين المسيحيين والمسلمين على قضايا عقائدية وما إليه!. وكنت صريحاً معه فقلت له: هم أفضل من المسيحيين فهم يحترمون ويجلون يسوع المسيح بينما أغلب المسيحيين لا يبادلوهم ذات الموقف من نبيهم، فأنا أخطو خطوة على طريق طويل ولكنه في الاتجاه الصحيح.
أيها الحضور الكريم قد يقول بعضكم ما حاجتنا إلى هذا الكلام؟. سأقول لكم بذات الصراحة التي حدثت بها العديدين ممن سبق وذكرت أنه إن بقينا نقول ما حاجتنا للحديث في العلن عما نهمس به في المخادع أو وراء الستائر فإنه لا مستقبل لنا ولا لوطننا ولا لمجتمعاتنا التي تريدها أن تكون عصية على المتربصين بنا شراً والذين يريدون أخذنا من الداخل لأنهم أدركوا أن أخذنا من الخارج قضية باهظة الثمن.
من يقرأ واقعنا الاجتماعي والديني يلاحظ أن المسيحي أو المسلم المؤمن بالفطرة وحتى بالخبرة صُنِع من كل منهما عبر التاريخ شخصاً يفكر بطريقة معينة تجاه الآخر. فيرى أن هناك آخر يختلف معه وقد يعاديه. هذا الواقع يجب أن نغيره من خلال نظرة ايجابية صادقة للتلاقي.
هذه النظرة التي نحتاج لتحقيقها إلى القيام بعمليتين كل منهما أصعب من الأخرى، كما قال لي صديق رحل من هذا العالم منذ فترة وهو يراقب الجهود التي أضعها لبناء عقلية جديدة عند المؤمنين تجاه الآخرين: " يا قسيس أمامك مهمة بناء صعبة جداً فأنت أمام نوع من البناء يواجه عملية هدم ثم إعادة بناء فعليك أن تغير مفاهيم عمرها قرون لتبني مفهومك الجديد للعلاقة الروحية والإنسانية مع الآخر.
أيها الأحباء.. عندما فكرت بدعوتكم هيأت الكنيسة لذلك، لأنه في نظام كنيستنا هناك تصويت ديمقراطي على القضايا الكبرى من قبل أعضاء الكنيسة لنيل الموافقة والقبول بحسب نسب التصويت التابعة لنظام محدد مرتبط بنوع القضية المصوت عليها. إذاً ما قمت به إن كان فيه خطأ يمكن أن أحاسب عليه سواء كرئيس طائفة في محافظة حماه أو كرئيس للسينودس في سوريا ولبنان.
من هنا يجب أن يكون القائد في كنيستنا المشيخية حكيماً قادراً على الدفاع عن روح الإصلاح والتطوير التي عنده عندما يأخذ قرارات متعلقة بذلك. وأنا اليوم مُراقَب من أعضاء الكنيسة الذين يسمعونني دائماً ويعرفون طريقة تفكيري ومن قبل زميلين قسيسين معنا هنا وللجميع أن يشهدوا الآن إن كنت أقول في السر غير ما أقوله أمامكم، فمصداقيتي وجرأة هذه الخطوة تحت الأضواء.
هذا اليوم الثالث من أيام الاحتفال بذكرى ميلاد السيدة زينب والذي أدعو فيه إلى بناء الإنسان الحر المقاوم – المحب – العادل – السباق لملاقاة أخيه الإنسان والتفاعل معه بكل ما تحمله هذا الكلمة من معان وما تتطلبه من عناصر. وأدعو فيه أيضاً كل مؤمن مسيحي أن يقرأ القرآن الكريم وكل مسلم أن يقرأ الأناجيل وأن نهتم حتى بدراسة ما نقرأ خاصة كرجال دين لنحصن أنفسنا ومجتمعنا وبلدنا فيكون الآخر عالماً حقيقياً أدخله بصدق لأنه عالم أخي. وعندها من يحاول أن يخوفني من عالم أخي - بعد أن أكون قد تعرفت عليه- أعرف كيف أجيبه وأقطع الطريق عليه.
دعوتكم لهذا اللقاء ليس كسبق صحفي ولا إعلامي بل لأجعل معكم هذا اللقاء سبقاً حضارياً متمنياً أن يسبقني على ذلك رجال دين أرثوذكس وكاثوليك ومشايخ وعلماء دين مسلمين أو غيرهم، على مبدأ: "أتمنى أن الجميع يزيدون وأنا أنقص" لمنعة مجتمعاتنا المختلطة وبلداننا المستهدفة، ومحققاً لمبادئ سينودسنا في إرساليته التي تهدف إلى تحقيق العدالة والسلام وكرامة خليقة الله وبناء الإنسان المتكامل كأساس لمجتمع أفضل مع التأكيد على تكافؤ دور الرجل والمرأة في امتداد ملكوت الله والانفتاح على الآخر والتعاون معه في سبيل خدمة الإنسان دونما تمييز بين عرق أو دين أو لون أو جنس كما جاء في المادة السادسة من الفصل الثاني من النظام الأساسي لسينودسنا في بنودها ( 4 -5 -6 -7).
أيها الأحباء إن المعرفة الحقيقية الواسعة هي أحد أهم أسس توجهنا نحو بعضنا البعض والحوار الهادئ والصادق هو أساس آخر لإخصاب هذا الوجود بنعمة الله القدير وعنايته في سبيل تحقيق كل ما سبق.
وفي ختام الاحتفال كان للقس معن بيطار رئيس السينودس الإنجيلي الوطني في سوريا ولبنان رئيس الطائفة الإنجيلية المشيخية في محافظة حماه تعليقٌ ودعوةٌ ونظرةٌ وحلمٌ:
- في التعليق: علق على عبارة "العروبة هي الجسد والإسلام هو الروح" والتي ذكرت في كلمة سيادة محافظ حماه الأستاذ المهندس خليل خالد. فقال: قد يقول بعضكم أين نحن إذاً من هذه العبارة (وهنا قصد المسيحيين الموجودين في الاحتفال) سأقول لكم أين أنتم... أنتم في قلب المعادلة إنكم أبناء لهذه العروبة أبناء هذا الجسد وروحكم روحه فالمسيحي في الانتماء هو مسلم بالروح. فلا يمكن لمسيحي أن يعيش في قلبه يسوع المسيح ما لم يكن هذا القلب مسلماً أمره لله. فالتسليم لله هو عملية أسلمة للقلب والروح. هذا هو سر وحدتنا التي أسعى لكشفها وتعليمها للناس.
- في الدعوة: قال: أدعوكم جميعاً لمن لم يتسنَّ له قراءة شيء عن السيدة زينب العظيمة أن يبدأ بالتفتيش عن كتب عنها وأنا أنصح بكتاب قرأته أسمه "المرأة العظيمة" وطلبت منه على الأقل مئة نسخة لأوزعها على عائلات الكنيسة عندي. هذا الكتاب أدخل هذه المرأة مكتبة العظماء في عقلي...
- في النظرة: قال: السيدة زينب والسيدة العذراء حملتا رسالة الحق وحق الرسالة هداية للبشرية فعينا مريم نظرتا مسامير الصليب تدق في جسد الحقيقية وعينا زينب نظرتا هامة الحسين على رأس رمح في منظر يدب في الأبدان أبشع قشعريرة فكانتا معاً نموذجاً يحتذى للصمود في وجه الباطل حتى النهاية.
- في الحلم: قال: ليت أسرنا تكون كأسرة زينب وأبناءنا كابن مريم.
ليت الجهود التي وضعتها المسيحية في تاريخها لمسايرة اليهودية ومن وراءها الصهيونية العالمية اليوم، تضع واحداً بالمئة منها للتلاقي مع الإسلام، لنرى العجائب التي تحصل في العالم بأسره.
أنا لا أقول شعراً بل أعي ما أقول ومسؤول عن إثبات ذلك. فلقاء المسيحية مع الإسلام يصنع المعجزات.
بهذا اللقاء اليوم نكون قد وضعنا أساساً لذلك وخطونا الخطوة الأولى على طريق تحقيق هذا الحلم في هذا الحصن المحمي من الله : سوريا الحضارة والتاريخ.