تفجير الأبرياء لغة الجبناء
بقلم – الدكتور عصام ناجي عباس
كتبت قبل أعوام مقالا كان عنوانه لماذا أنصار الحسين وبذات المناسبة لأربعينية الإمام عليه السلام،
الصورة تتجدد حقدا دفينا وبغضا متوارثا لا يمكن اجتثاثه إلا بالمزيد من الطرح الهادئ والمدروس لفكر أهل البيت عليهم السلام الثقافي ولنهضة الإمام الحسين عليه السلام الإصلاحية الإنسانية الخالدة والمزيد من الثبات والصبر والتمسك بهذا النهج ، وهذا الثبات والإصرار على الاقتداء يُصرّح به الطفل الصغير والشيخ الكبير والأم الثكلى والأب المفجوع ، فلابد من تبيان الأسباب التي تدفع الملايين كل عام من السير قُدما على طريق الحسين عليه السلام وتجديد البيعة له وماهية الأهداف والغايات المرجوة وما سيترتب عليها من أسس بناءة في تهذيب النفوس وتعديل السلوكية الإنسانية من اجل الإصلاح الحقيقي في بناء الدولة الحضارية التي يرتئيها الإمام الحسين عليه السلام في إصلاح النظام العالمي على مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنه تنشأ حضارة السلم والاعمار والرقي والعدالة الاجتماعية والكرامة والعزة التي تفتقدها مجتمعاتنا بسبب الانحراف عن ثقافة الرسالات السماوية التي حملها الإمام الحسين عليه السلام للإنسانية على مر الدهور .
وأعطي هنا مثلا للإشارة إذ إن هناك فئة من المسلمين حوربوا وكُفّروا وقُتلوا وهم في طريق الحج لأداء الفريضة وعندما قُتل منهم المئات في إحدى السنوات من قبل زمرة تكفيرية تركوا الفريضة ظنا منهم أن يحصّنوا طائفتهم من القتل وأصبحت الفريضة عندهم مهمشة للأسف وأصبحوا من أصحاب الفكر الباطن في طرح معتقداتهم وأصبحت عباداتهم وأفكارهم غامضة وحتى مناسباتهم الدينية وغيرها لولا التحرك الثقافي الذي تقوم به بعض المؤسسات الثقافية العاملة لتلمّس معتقداتهم والمحاولة في التوجيه الفكري والمنهجي لأهل البيت عليهم السلام والمناقشات المعمّقة ولازلنا في أول الطريق ببذر نشر ثقافة أهل البيت عليهم السلام وسط هذه الطائفة المؤمنة الموقرة ..
نحن اليوم وخلال عقدين من الزمن كمؤسسة ثقافية فكرية مهتمة بنشر فكر وثقافة أهل البيت عليهم السلام نبين لإخوتنا في هذه الطائفة الصورة الجلية لقتل أنصار الحسين الذي كان ولازال سببه ذات الحقد الموروث على المتمسكين بحبل الإيمان بحبل الله تعالى والتمسك برسالة السماء التي جاء بها النبي الأكرم محمد صلى الله عليه واله ورسالات السماء التي جاء بها الأنبياء والمرسلين عليهم السلام من قبل، والتي تحض على الإيمان المطلق بوحدانية الله تعالى الذي يبعد الخوف والذي بذكره تطمئن القلوب وبهذا وحده يمكننا مواجهة الجاهلية الحاقدة و إلا لِمَ خرج الإمام الحسين عليه السلام في مواجهة طغيان الجهلاء من أجلاف الأمة وجهلائها من بني أمية ويزيدهم الذي يتغنى بالكفر والفسوق بقوله :
لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل
وفراعنتهم العصريين الذين لازالوا متشبثين بضلالة الجاهلية وظلامها ، الذين لو لم يتحقق لهم ما يصبوا إليه يفجرون الإنسان بطريقة الانتحار الذي حرمته الرسالات السماوية من اجل إشاعة القتل والرعب والدمار لثني الناس عن طلبهم في بناء دول حضارية ترقى إلى الحضارة التي جاءت بها الرسالات السماوية والتي جمعها الله تعالى في رسالة خاتم الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه واله والتي قدّم لها الحسين وأهل بيته عليهم السلام القرابين المقدسة من اجل ارض عامرة وإنسان حضاري وإبعاد شبح الذلة والمهانة وتحقيق الحرية والديمقراطية لبناء دول العدل والتنمية من خلال أنظمة سياسية عادلة تتخذ الإنسان المناسب في المكان المناسب لتحقيق الغاية المرجوة وإبعاد الشرائح الفاسدة كي تحارب حقا الفساد الذي هو سبب الهدم والدمار والتأخير في التنمية الوطنية .
صحيح أن مثل هذا البناء الراقي يواجه فشل الجبناء بالقتل والتدمير من خلال التدمير وكل صنوف الإرهاب وفي مقدمتها الانتحار والتفجيرات الانتحارية التي سلكها ضعاف النفوس المهزومون والساقطون إلى الحضيض ، وقد راهن الشعب العراقي المؤمن بخط ومنهجية وثقافة أهل البيت عليهم السلام على مواجهتهم وتحديهم وإيصال هذه الصورة الحضارية والرسالية في التمسك بمنهجية أهل البيت عليهم السلام إلى كل الشعوب المتحضرة
والصورة هذه تنقل لكم تفهم الشعوب التي لا تعتنق الإسلام برسالة الحسين الإنسانية الحضارية التي هي رسالة السماء المحمدية التي قال فيها النبي الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه واله " حسين مني وأنا من حسين – أحب الله من أحب حسينا "
فهذه الصورة تُظهر لنا أن بعض الصينيين العاملين في العراق يشاركون زوار الحسين عليه السلام بتقديم الطعام والشراب لقاصدي هذه الزيارة الهادفة إيمانا منهم بالغاية التي يسير من اجلها هذا الجمع المليوني ... فأعدوا موكبا حسينيا خدميا لهذا الغرض
وهذه ليست صورة غريبة عن هذا الحدث ..
فقد وفقنا الله تعالى العام الماضي بالسير على خطى هذه المسيرة المليونية المقدسة بوفد مؤسستنا الذي ضم رجل دين مسيحي ورئيس طائفة تضم أكثر من خمسين كنيسة في سورية ولبنان انه القسيس معن بيطار الرئيس الروحي للطائفة الإنجيلية في سورية والذي قال في كلمة له عند تشرفه بزيارة مرقد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء المقدسة بعد المشاركة العملية في السير مع الحشود المليونية
قال :
بالنسبة لي هذا المكان مهم ومهم جداً لأن فيه مرقد لشخص عظيم والعظمة جاءت من دفع
الثمن من التضحية ،
فإذن أمام هكذا قضية وفي مكان كهذا يجب أن يرتقي الكلام لمستوى هذه التضحية ولمستوى هذه الشهادة ، شهادة الحق والاستشهاد (يجب أن يرتقي) ، لذلك أنا أعتبر كل عظيم بهذا المعنى هو عظيم بالنسبة لي وعظيم في عقلي وفي قلبي وله معنى عظيم عندي و أجله و أقدره وأتعلم منه، بمعنى أبسط كل عظيم من هذا النوع هو عظيمي وليس عظيمك فقط لأنك شيعي أو
ذاك عظيمه لأنه سني أو هذا عظيمه لأنه مسيحي ،
إنني أطرح فكرا توحيديا غير تقليدي ، نحن كلنا مؤمنون برب العالمين .... كلنا مؤمنون بالآخرة .... كلنا مؤمنون بيوم الدين .... كلنا مؤمنون بأن هناك خالق عظيم .... كلنا مؤمنون أننا أخوة
أنا كنت أراقب أثناء المسيرة إلى كربلاء : فخطر على بالي شيء هو ما هي هذه الطاقة هذه القوة التي تحرك هؤلاء الناس فيسيرون مئات الكيلو مترات ليصلوا إلى مكان يعبروا فيه عن أمر التعبير ؟
معروف هي مشاعر عاطفية و إيمانية وروحية لكن أنا كنت أفكر بالطاقة التي تحرك هؤلاء الناس لو أن هذه الطاقة وجهت أو وظفت أو أطرت ليس بمعنى أن تأطر أي يصبح لها شكل صناعي أي بعناوين ماذا ستكون النتيجة ؟
قد تشكل هذه الظاهرة تهديداً عندئذ إذا أصبح لها هدف وفي كل سنة مشروع لها الذين يراقبونها ويدرسونها هم بغاية السرور يروها ظاهرة هكذا عادية عاطفية بلا هدف أما إذا شعروا أن لها هدف ينسجم مع إيمان الذي يحتفون به ومسيرته أعتقد أنهم قد يتضايقون بطريقة أو بأخرى .
أنا هنا لا أريد أن أدخل بأي كلام لأنني بحضرة أقدس وأعظم من أي أسماء تذكر تثير العواطف والغرائز العصبية قد تعاق المسيرة كما أعيقت منذ سنين سابقة مع أنها لم تكن تشكل رؤية أو هدف إلا أن البعض كان يشعر أنها تهددهم مع أنها بدون مشروع ،،
فكم حري لو أن هذه الظاهرة لها مشروع إذا هذا ما خطر على بالي ، هذا ما تمنيت قد يتحقق قد يقول قائل : ما علاقتك بهذا الأمر .... هل تريد أن تعلمهم .... هل ينقصنا تعصب ديني أو مشاريع دينية ،،
فليقل من يقول ما يقول ... أنا أقول ما أقول وأنا مرتفع ومرتقي عن هذه الصغائر التي يختلف الناس بسببها فيصفون بعضهم بأوصاف ....
أنا يهمني أن نحي روح هؤلاء العظماء ليس بالشعارات ولا بالمهرجانات ولا الاحتفاليات أن نحييها من أجل تغيير وجه الأرض ...
بهذه الرؤية الإيمانية تحدث هذا القسيس الذي يتشرف بانتمائه لمؤسسة بيت النجمة المحمدية الثقافية التي رفعت راية أهل البيت عليهم السلام وسيدة هذا البيت السيدة زينب عليها السلام الإنسانية التوحيدية البناءة .
بهذه الصور الرائعة نريد القول أن انتحار الجبناء وتفجيراتهم لن يوقف حركة الأحرار المستمرة في اختيار البناء الرسالي لدولتهم الحضارية المتطورة ونؤكد بعدم إمكانية الجبناء من أن يُنسونا هدف وغاية الإمام الحسين عليه السلام مهما كان الثمن والتضحية : أبد والله لن ننسى حسينا ...
18 صفر 1433 هـ - 12 / 1/ 2012م