كل يوم عاشوراء..رؤية مغايرة

نـــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

 

ترى، هل عنى الشاعر بقوله؛

كل يوم عــــــــــــــــــــاشوراء            وكل ارض كــــــــــــــــــــــربلاء

والذي تحول إلى أنشودة وشعار في وعي ولا وعي الأجيال على مر الزمن، هل عنى به أن نرى الحسين مقتولا كل يوم؟ وأن نرى دماء السبط مراقة كل يوم على كل شبر من وجه البسيطة؟.

هل هي دعوة لقتل الحسين وأهل بيته وأصحابه الميامين، كل يوم وفي كل أرض؟ أينما وجدناه، وأينما حل وارتحل؟.

هل هي دعوة لفسح المجال أمام يزيد بن معاوية ليحكم الناس في كل عصر ومصر؟ ليعيد الكرة فيقتل ريحانة رسول الله (ص) السبط الشهيد؟.

شخصيا، لا ادري بالضبط ماذا عنى الشاعر في بيت الشعر هذا، ولكن دعوني هنا أن افترض ما عناه، من خلال رؤيتي للحدث المهول الذي شهدته ارض كربلاء الطاهرة ظهيرة يوم العاشر من المحرم عام (61) للهجرة، من خلال ما يمكنني أن استقرأه من قول الشاعر الآنف الذكر.

دعونا نبدا من دمعة الحسين في ذلك اليوم، وهي الدمعة التي تختلف بمعانيها كليا عن دمعة العقيلة زينب في نفس اليوم، بفارق ساعات من الزمن فقط.

فالحسين بكى قاتليه، أما زينب فقد بكت الحسين.

لكل دمعة، إذن، رسالة تختلف عن الأخرى.

فلماذا بكى الحسين أعداءه؟ وما هي الرسالة التي أراد أن يبعث بها، عبر التاريخ، إلى كل الأجيال التي سترث الأرض من بعده؟.

ولماذا بكت زينب أخيها الحسين؟ وهل من رسالة في دمعتها؟.

لقد بكى الحسين عليه السلام أعداءه لأنهم (مظلومون) ظلموا أنفسهم، فباؤوا بالخزي في الدنيا واشد العذاب في الآخرة، فالحسين لم يبك ظالما أبدا، والى هذا المعنى تشير الآية القرآنية الكريمة {وإذ قال موسى لقومه، يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم، باتخاذكم العجل، فتوبوا إلى بارئكم، فاقتلوا أنفسكم، ذلكم خير لكم عند بارئكم}.

لقد اختار لهم ربهم الدنيا والآخرة، فخسروا الاثنين، واختار لهم الحياة فاختاروا الموت، واختار لهم السعادة فاختاروا الشقاء، واختار لهم الحرية والعزة والكرامة، فاختاروا العبودية والذل والمهانة، ولكل ذلك باؤوا بغضب من الله تعالى، أولئك الذين يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، بظلمهم انفسهم، فكانت دمعة الحسين عليهم من اجل تنبيههم الى ذلك، ولالفات وعيهم الى الحقيقة.

لقد سعى الامام كثيرا وطويلا لردع اعداءه عن ارتكاب فعلتهم الشنعاء، وبذل جهدا كبيرا من اجل ذلك، من خلال الحوار المباشر تارة وعقد الاجتماعات السرية والعلنية، والخطب العامة، والجدال بالتي هي أحسن، تارة أخرى، حتى لا يعتذر احد منهم يوم القيامة بالجهل بالامور، او انه لم يكن على علم بحقيقة الاحداث.

لقد حاول الحسين عليه السلام رفع الغشاوة عن بصائر الناس، واطلاعهم عن الحقيقة كاملة، كما حاول ان يضعهم امام الامر الواقع، بكامل وعيهم ومعرفتهم، لماذا؟ لأنه يحب الانسان الذي كرمه الخالق جل وعلا، فكان يكره ان يكون سببا لشقاء الانسان مهما كانت هويته وديانته وانتماءه وعنصره وجنسه، ولذلك قاتله (عربا) اقحاحا، و(مسلمين تعرفهم بسيماهم) و(رجالا اشداء) فيما استشهد معه وبين يديه (مسيحيين) ونساء وأطفال، لأن القضية لم تكن قضية سلطة يتقاتل عليها الفريقان، أبدا، كما أنها لم تكن قضية قومية أو مذهبية أو عنصرية أو حتى دينية، وإنما كانت قضية إنسانية مقدسة تجلى فيها معسكران، احدهما يمثل الحق فيما يمثل الآخر الباطل، احدهما يمثل الإنسان وقوى الخير التي أودعها الله فيه، والثاني يمثل كل قوى الشر التي في داخل الإنسان، كما في الآية المباركة {ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد افلح من زكاها، وقد خاب من دساها} ولذلك لم يغلق الحسين بابه بوجه احد من الناس أبدا، بغض النظر عن دينه او قوميته او جنسه، فكان باب الله تعالى وسفينة النجاة لمن شاء وأحب أن يركبها ليحيا حياة طيبة في الدنيا وينجو بها يوم الفزع الأكبر.

لقد بكى الحسين قاتليه، قبل أن يتورطوا بدمه الزكي، وهو يرى فشل كل محاولاته الإنسانية والدينية التي بذلها من اجل إنقاذهم من النار بسببه، وهم الذين تمثلوا بقول الله عز وجل {أفأنت تنقذ من في النار}.

كانت دمعة الحسين إنسانية، حاول بها إنقاذ الإنسان من الجهل والضلالة وسوء المنقلب والعاقبة، الا ان القوم فهموا الرسالة بالمقلوب، وفسروها خطأ، عندما تصوروا بانه يبكي نفسه، لأنه قريبا سيغدو مقتولا.

ان دمعة الحسين على قاتليه في عاشوراء، تجلي البعد الإنساني في ثورته المباركة وحركته الخالدة في ابهى صوره، والا بالله عليكم، هل رأيتم أو سمعتم قتيلا يبكي قاتليه؟.

ولأن ثورة الحسين انسانية ورسالية، فهو لم يستعجل القتال، إذ لم يكن هدفه القتال لذاته، وإنما من اجل الإنسان، فإذا كان المنطق والحوار والخطاب، طريق إلى حماية الإنسان من نفسه الأمارة بالسوء، فلماذا اللجوء، إذن، إلى السيف؟.

لقد حاول الحسين استفراغ كل طاقته في الحوار قبل ان يرد على رسل القوم (النبال) التي صوبوها باتجاه معسكره ليستعجلوه القتال، ولو كان الامام لا يحب الانسان، لاستعجل القتال ليعجل بقاتليه الى النار، كما يفعل من يكرهون الانسان، ويحبون توريطه من خلال استدراجه الى مكامن الخطا والجريمة، اما الحسين فقد سعى الى تنبيه الانسان الى خطئه وجريمته، في محاولة انسانية منه لانقاذه من براثن الجريمة.

انه فعل ازاء قاتليه، ما فعله ابوه الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، الذي ظل يحاور (الخوارج) حتى عدل عن مقاتلته عشرات الآلاف منهم، كما تذكر ذلك كتب التاريخ، فبالكلمة حقن الامام دماء مغفلين، وبها حاول الحسين ذلك، وبها يحاول المصلحون الانسانيون.

فالمصلح، يوفر على الناس دمائهم، والمصلح لا يحب الولوغ في دماء الناس، ولذلك فهو لا يوفر جهدا لتحريم دم الانسان وصونه من الهدر لا زال هناك متسع من الوقت والجهد والوسائل غير السيف والقتل.

على العكس من الطغاة والمجرمين الذين يبدأون خطوتهم الاولى نحو الهدف، بهدر الدم الحرام وازهاق الروح المحترمة، وهنا يكمن الفارق الكبير بين المصلح والمجرم، فالاول هدفه حياة الانسان، اما الثاني فهدفه ممات الانسان، الاول يموت هو ليحيا الانسان، والثاني يموت الانسان ليحيا هو، وشتان بين الاثنين.

فالمصلح يبدا بالكلمة وقد ينتهي الى السيف، اذا اضطر الى ذلك، اما الظالم فيبدا بالسيف وينتهي اليه، انه يبدا بالدم وينتهي اليه، يبدا بارواح الناس وينتهي اليها.

قد يقول قائل، ويسأل سائل:

ألم يكن الامام على علم بعنادهم وغيهم وضلالتهم؟ فلماذا، اذن، حاول وعظهم ونصيحتهم؟.

وياتي الجواب من القرآن الكريم {معذرة الى الله} كما اجاب المؤمنون الذين استنكر عليهم بعض قومهم وعظهم للكافرين، بقولهم مستنكرين {لم تعظون قوما الله مهلكهم}.

هذا من جانب، ومن جانب آخر، فهي رسالة إلى الأجيال والتاريخ، ودرس للجميع، ليمارسوا الوعظ والإرشاد حتى مع أعدى أعدائهم واشد ضراوة، فما بالك بالمغفلين الذين يعادون المرء عن جهل، قبل أن يقع السيف بين الطرفين، من اجل إلقاء الحجة أولا ومن اجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الجهل والتورط بالدم الحرام، من جانب آخر.

لعل من هذا المعنى، يمكن أن نستنبط المفهوم الذي عناه الشاعر في قوله الآنف الذكر.

فهو دعوة متكررة، لك جيل وعصر، للحيلولة دون قتل الحسين كل يوم، ودون تكرار الحدث الذي شهدته كربلاء، على كل ارض، من اجل إنقاذ الإنسان من التورط في الجريمة، إنها دعوة صادقة من الإمام لمنع أعدائنا، وقبل ذلك أعداء أنفسهم، من المغرر بهم الذين غسلت ماكينة الدعاية الأموية المضللة عقولهم وأماتت ضمائرهم وحطمت تفكيرهم، من ارتكاب مثل هذه الجريمة المروعة التي سيحجزون بسببها مقعدهم في قعر جهنم، لأن الإمام، وهو الرحمة الربانية للبشر، يكره أن يكون سببا لدخول إنسان واحد النار، لجريمة يرتكبها بحقه، فكيف يمكن ذلك؟.                                                     كيف يمكن أن نحول دون تكرار الحدث المأساوي؟ وكيف يمكننا أن نمنع من تكرار الجريمة؟ وكيف يمكننا أن نكون ممن يحفظ الحسين من القتل ويصون الدماء من أن تراق ظلما على الأرض؟ وكيف لنا أن نكون ممن ينتصر للحسين قبل أن يقتل، ولكربلاء قبل أن يسيل عليها دم السبط، وللآل والأصحاب قبل أن يقتلوا بسيف البغي، وللهاشميين والهاشميات قبل أن يأخذونهم سبايا إلى الشام؟.

الجواب في معرفة أسباب وقوع الحدث المهول، فمن خلال إزالتها، بعد معرفتها، نحول دون تكرار الحدث.

فعندما تساس الأمة براعي مثل يزيد، الذي قال عنه الإمام الحسين عليه السلام مخاطبا الوليد بن عتبة والي المدينة، عندما رفض إعطاءه البيعة (... ويزيد فاسق، فاجر شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور) عندما تساس الأمة بمثل هذا، فعلى الإسلام السلام، وعندما ينزو على منبر رسول الله (ص) رجل كمعاوية بن أبي سفيان، فعلى الإنسان السلام، وعندما يتسلل الإعلام الأموي إلى كل مكان، إلى البيت والمدرسة والمسجد والسوق والى مخادع الناس، فعلى الحرية والكرامة والعزة السلام.

دعونا أولا نمنع من انعقاد سقيفة في الأمة، ثم نجاهد للحيلولة دون أن ينزو على السلطة حاكم كمعاوية بن أبي سفيان يحول الناس إلى عبيد والمال إلى دولة بين الأغنياء فيحرم منه فقراء الأمة ويتخم آخرين، ويسخر خزينة البلاد لتحقيق رغباته الذاتية ونزواته الشخصية، فيصرفها لشراء الذمم وصناعة الدعاية السوداء المضللة واختلاق الأحاديث والروايات الباطلة على لسان رسول الله (ص) كل ذلك من اجل تحويل الحكم الإسلامي إلى ملك عضوض يتوارثه الطلقاء وأبناء الطلقاء، فيحكم الأمة باسم الإسلام، مثلا، رجل كيزيد الذي يشرب الخمر ويلعب بالقرود ويقتل النفس المحترمة، ثم يدعو له أئمة المسلمين من على منابر الجمعة، كخليفة.

أية مهزلة في التاريخ هذه؟ بل أية مهزلة على مر التاريخ هذه؟ ففي كل يوم لنا يزيد حاكما وفي كل يوم لنا معاوية خليفة للمسلمين وفي كل يوم لنا سقيفة وفي كل يوم لنا فتاوى تكفيرية ودعاية سوداء تضلل الناس وتغسل الأدمغة وأخيرا تقتل الحسين؟.

هنا مربط الفرس، إذن، فإذا حكم البلاد رجل كيزيد علينا أن نستعد لسماع نبأ قتل الحسين، وإذا اعتلى منبر رسول الله رجل كمعاوية الذي قال للمسلمين في أول خطبة جامعة في مسجد الكوفة{ يا أهل الكوفة، اتروني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج؟ وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون، ولكني قاتلتكم لأأتمر عليكم وألي رقابكم، وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون، ألا أن كل دم أصيب في هذه مطلول، وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين}إذا اعتلى منبر الرسول رجل كهذا، فعلى الأمة أن تتوقع قتل الحسين بين لحظة وأخرى.

لذلك، إذا أردنا أن لا يتكرر المشهد الكر بلائي في كل يوم وفي كل ارض، علينا أولا أن نمنع سقيفة ولا نقبل بمعاوية خليفة أو يزيد حاكما، وان نقاطع الإعلام الأموي ولا نصغ إلى أقوال المرجفين في المدينة، ونسير بركب الحسين، مهما غلا الثمن وكبرت التضحيات، فالحياة بلا كرامة موت في الدارين، والموت بعز حياة في الدارين، أليس كذلك؟.

كذلك، على الأمة أن تقف مع الحسين حيا، ولا تنتظر أن يقتل فتبكيه ميتا، وهذا يتطلب منها أن تنصره وتنتصر له فارسا، قبل أن يترجل من على صهوة جواده، كيف؟.

إن الحسين عليه السلام قيم ومبادئ وأفكار ومناقبيات ورسالة، انه ليس مجرد ثائر من اجل سلطة، أو مغامر من اجل حكم، أبدا، والى هذا المعنى أشار عليه السلام بقوله {ألا واني لم اخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي رسول الله (ص) وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا، اصبر حتى يحكم الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين}.

هدف الحسين، إذن، كان الإصلاح أولا وأخيرا، إصلاح ما فسد من حال الأمة على يد الحكومات والأنظمة التي تعاقبت على الحكم من بعد وفاة رسول الله (ص) وإصلاح ما أفسدته القوى الاجتماعية التي ملكت المال والإعلام وتاليا السلطة.

لقد جاد الحسين عليه السلام بأغلى ما عنده من اجل تصحيح مسار الأمة، وإعادتها إلى جادة الصواب والحق والعدل والإنصاف، من اجل أن تحيا حرة كريمة وسعيدة بين أمم الأرض.

إن نتيجة حكم السلطات الظالمة للأمة، يمكن تلخيصه بما يلي؛

أولا؛ تغيير مسار النظام السياسي، من نظام يعتمد الشورى والانتخاب والبيعة والتداول السلمي للسلطة، إلى نظام يعتمد الوراثة في اعتلاء السلطة، واخذ البيعة بالعنف والإكراه، وتاليا القتل والاغتيال والتآمر كأدوات يعتمدها المتصارعون على السلطة للفوز بها، وبقراءة سريعة لتاريخ المسلمين، والنماذج الكثيرة التي ترويها كتب السيرة والخلفاء والسلاطين، يتضح لنا هذا المعنى جليا، لدرجة انه يزكم الأنوف بفضائحه، ويخجل منه المرء الذي يكره الانتساب إلى مثل هذا التاريخ، المهزلة.

ثانيا؛ محو القيم الإنسانية التي اعتمدها الإسلام في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين الناس أنفسهم، صغيرهم وكبيرهم، غنيهم وفقيرهم، عالمهم ومتعلمهم، نساءهم ورجالهم، وبين أركان الحكم أنفسهم، كقيم المساواة والرأفة ومبدأ تكافؤ الفرص، والتكافل الاجتماعي والحرية والكرامة والصدق والتسامح والتعاون على البر والتقوى والإيثار وغير ذلك من المعاني والقيم السامية التي جاء بها الإسلام العظيم، لتحل محلها، في ظل الأنظمة الفاسدة والمستبدة، سياسات الأثرة والإقصاء والتمييز العنصري والطائفي والعشائري والعبودية والإكراه وروح الانتقام والذلة وغيرها من السياسات التي دمرت الأمة، فتقهقرت إلى الوراء لتصبح في آخر القافلة الإنسانية وفي نهاية مسيرة البشرية.

لقد عنى الشاعر، إذن، أن كل يوم هو زمن مفتوح للصراع بين الحق والباطل، وان كل ارض هي ساحة مفتوحة لهذا الصراع، وان على أهل الحق أن يواجهوا الظلم صغيرا قبل أن ينمو ويكبر فيتمكن من قتل الحسين، وبذلك فقط يمكنهم أن يحولوا دون تكرار تراجيديا كربلاء بكل فصولها المهولة وتفاصيلها المرعبة والأليمة.

أما دمعة زينب عليها السلام، فقد حملت رسالة أخرى، إنها رسالة الرفض الأبدي للظلم، وصرخة المظلوم في قصور الظالمين، لتهدم أواوينها، وتدمر قلاعها.

إنها رسالة الاحتجاج على القتل، وسلاح المستضعفين في مواجهة سلاح التضليل، ووسيلة المظلوم لاستنكار الظلم، وأداة المقهور لاستنهاض الأمة الغافلة والناس النيام والرعاع المغفلين والعامة الجاهلة والصفوة التي أعماها الطمع وأسال لعابها المال الحرام والحظوة الزائفة عند السلطان، إنها الرسالة التي لا يمكن لظالم، مهما أوتي من قوة وجبروت، أن يحجبها عن الفضاء الخارجي، ولذلك امتدت هذه الرسالة الزينبية عبر التاريخ وستظل ممتدة إلى قيام الساعة، إذ سيفشل الظالمون في إخماد أوارها مهما فعلوا، ولنا في التاريخ اكبر دليل وانصع برهان، ولقد صدقت ابنة علي العقيلة زينب عندما خاطبت الطاغية يزيد في مجلسه بالشام قائلة {فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا ولا تدحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد}.

إنها الرسالة التي فضحت زيف الحاكم الجائر، وكشفت عن حقيقة الأمور التي بذل الظالم من اجل التستر عليها الشئ الكثير، وسخر لها جيوش (المثقفين) و(الإعلاميين) و(فقهاء البلاط) و(وعاظ السلاطين) من المأجورين والموتورين، من الذين يتبعون المطامع.

إنها شجاعة الرسالة وبطولة أهل الحق وصمود الثائرين وقدرة المظلومين.

من هنا افهم؛

إذا أردنا أن نحول دون تكرار الحدث المأساوي، علينا أن نحتفظ بالدمعتين ساخنتين، فهما رسالتان تكمل الواحدة الأخرى، وهما جناحا ثورة السبط الشهيد سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.

ينبغي علينا ان لا ننخدع بما يقوله المشككون، الذين يحاولون انتزاع حب الحسين من قلوبنا، فالدمعة رسالة وليست عواطف فحسب، وإنها معاني سامية وقيم عظيمة ومناقبيات خلاقة، من يتنازل عنها سيتنازل عن الحسين، ومن يفرط بها سيفرط بكربلاء، ومن يغفل عنها سيغفل عن الهدف والوسيلة في آن واحد.

لنحذر من نسيان الدمعتين، وما حملتا من رسالتين تاريخيتين عظيمتين، من اجل أن لا ننسى الحسين وثورته الإنسانية، وبالتالي، من اجل أن نتذكر أنفسنا، فلا ننسى حالنا وواقعنا وما نحن عليه من وضع لا يحسد عليه، فالحسين عليه السلام عبرة (بفتح العين) وعبرة (بكسر العين) فلا يمكن ان نعيش الحسين بواحدة أبدا، فالعبرة (بفتح) جزء من العبرة (بكسر) والعكس هو الصحيح، وهما متلازمتان لا تفترقان أبدا ما دامت السماوات والأرض.

 

20 كانون الثاني 2007