كلمة الدكتور عصام عباس

التي ألقاها في المهرجان الخطابي الذي

أقامته سفارة جمهورية العراق بدمشق

بذكرى عاشوراء المجيدة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وشفيع ذنوبنا وقائدنا أبي القاسم محمد واله الأطهار وصحبه المنتجبين الأخيار وإخوته أنبياء الله الأبرار ، والسلام عليكم أحباب رسول الله الأحرار

 

لابد لي في البداية أن أشكر سفارتنا السفارة العراقية بدمشق على دعوتها الكريمة وإتاحتها الفرصة لي بالتحدث في هذه الليلة العاشورائية وهي من الليالي الزينبية التي نعزي بها سيدة كربلاء عقيلة بني هاشم صاحبة الديار السيدة زينب عليها السلام ونحن نعيش في رحابها وبضيافتها الكريمة سيما وهي كريمة أهل البيت  

أيها الإخوة :

إننا نحتفي هذه الليلة بذكرى عاشوراء، وكثيرا ما نُسأل عن سبب هذا الاهتمام بالاحتفاء بهذه الذكرى ، فلابد من تسليط الضوء حول سبب اهتمامنا بهذا الاحتفاء والاستمرار على إحياء ذكرى عاشوراء والتهيؤ لها وتسليمها جيلا بعد جيل لإبقائها قائمة ، والواقعة مر عليها أكثر من ألف وأربعمائة سنة .

في البداية لابد من توضيح أن ثقافة عاشوراء أتت من الاقتداء برسول الله  فرسول الله أول من احتفى بهذه المناسبة وبهذه الفاجعة عند ولادة الحسين وفي السنوات الأولى من ولادته كان رسول الله بين الحين والآخر يتحدث للأمة عن هذه المأساة قبل وقوعها. وهذا ما يجب أن يُلفت إليه أنظار المسلمين جميعاً ، خاصة الذين يقرؤون أحاديث النبي والدارسين سيرته ، وكذلك عند ولادة حفيدته السيدة زينب شريكة الحسين في نهضته  ، ونقل ذلك عنه العديد من زوجاته كأم المؤمنين أم سلمة.  وهذا ما رواه الإمام احمد في مسنده وفي اغلب الصحاح كالمستدرك للنيسابوري وغيره ، فإن كان رسول الله يتحدث عن هذه الفاجعة  قبل وقوعها ويُبدي التأثر لها، ويبكي من أجلها، ألا يجب أن نتوقف عند هذا الأمر ، فالأمر ليس عاديا ، وليس كأي حدث من الأحداث، حتى يُقال الواقعة مضى عليها (1400) سنة وانتهى الموضوع. لذلك وتأسياً برسول الله  ، نحن نهتم بإحياء عاشوراء روحا وثقافة  وتخليد هذه الذكرى .

 

إن تخليد عاشوراء فيه معطيات كثيرة  و مكاسب دينية واجتماعية كبيرة،

فعاشوراء  موسمٌ ديني وثقافي،. وفي مختلف دول العالم  يُعلن عن مهرجانات ثقافية من خلال أنشطة ثقافية حديثة، وتُصرف عليها ميزانيات ضخمة، وتُسلّط عليها ألأضواء إعلامياً لحشد الناس لذاك المهرجان، ولكن لا يوجد موسمٌ يُوازي موسم عاشوراء، فهو يُمثل جهدا أهليا، واندفاعا ذاتيا من الناس، دون دعمٍ من الدول، أو مساندة جهة معينة،  الصرف ذاتي ولا ينتظر منه كسبا أو ربحا ماديا ، المشاركة جماعية الصغير والكبير والرجل والمرأة والمناطق واسعة وليست محدودة ببلد أو إقليم أو قارة تحيا الذكرى في كل قارات الدنيا وبلغات مختلفة والسنة شتى والكل تجتمع على وحدة الكلمة باعتبار عاشوراء موسما ثقافيا دينيا يشد الناس إلى دينهم، ويُعمّق ارتباطهم بقيم ورسالة سيدنا محمد وعترته الطاهرة .

 

فعاشوراء ادوار رسالية تعطينا مفاهيم تنجينا من الزلل لو تذكرناها معا :

أول المفاهيم هو الالتزام بقيم الدين ومبادئه:

إن محبة الحسين  إنما هو التزام بقيم الدين ومبادئه فالرسول الأعظم  أعطى مفهوما جليا لهذه المحبة في قوله الشهير الذي انقله نصا من مسند الإمام احمد بن حنبل (حسين مني وأنا من حسين – أحب الله من أحب حسينا)، فهذا الانتماء النبوي المشرف والمقترن بشرط محبة الله بحب الحسين يدعو الجميع في عاشوراء إلى ترك  أعمالهم والتزاماتهم وضرورة المشاركة  في الاحتفالات والمهرجانات المقامة  ولا شك أن ذلك فيه أجر عظيم، فهذا الإحياء والاهتمام يجب أن يكون دافعاً للالتزام بالدين الذي ضحّى من أجله الإمام  الحسين .  فلماذا الإمام الحسين ضحّى وقدّم نفسه وأهل بيته؟

إنما ذلك من أجل الدين:   (إن كان دين محمدٍ لم يستقم إلا بقتلي، يا سيوف خذيني).

ووزيره وسنده وعضيده العباس بن أمير المؤمنين  الذي قطعت يداه في يوم عاشوراء يقول: (والله إن قطعتموا يميني إني أحامي أبداً عن ديني).

هذا الدين أيها الإخوة الذي ضحّى من أجله الإمام  الحسين أمانة بأيدينا جميعاً يجب حمايته والمحافظة على قيمه وشرائعه .

لذلك عندما سقط النظام المقبور في العراق هب العراقيون إلى تصحيح المفاهيم والقيم من خلال إعطاء الوجه الحقيقي لعراق آل محمد في الخارج والداخل فسن الدستور العراقي على هذه الأسس ونحن اليوم بحاجة إلى تفعيل الدستور وإظهار صورة العراق المشرقة الحقيقية إلى كل أنحاء العالم من خلال البعثات الدبلوماسية التي حرصت فور سقوط الطاغية إلى الاحتفاء بعاشوراء إيمانا منها إن عاشوراء هو الالتزام بقيم الدين ومبادئه وهي مشكورة على هذا الجهد القيّم والنبيل ... 

إذن يجب أن نخرج من هذه المجالس ونحن أكثر تمسكاً والتزاما بديننا ومبادئه الإنسانية التي حرصت على حفظ حقوق الإنسان وكرامته.

ويجب أن لا تتصور أن مجرد بكائنا  على الإمام الحسين يكفي، و حضورنا المأتم للمجاملة يكفي، وهذا هو كلام أهل البيت (عليهم السلام)،

الإمام الصادق يقول: (و الله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه).

المفهوم الثاني لرسالة عاشوراء ينصب في اجتماع الناس بمجالس عاشوراء  من مختلف المناطق والجنسيات والأعراق والقوميات والأسر والمستويات: الغني والفقير، العالم وغير العالم ، يجمعهم ولاء أهل البيت (عليهم السلام). ولذلك يجب أن تُذكرنا هذه الاجتماعات بوحدة صفّنا وأن لا نتفرق و لا نتمزق، ولا نختلف، وأن لا يُهمل بعضنا بعضاً، و لا يتنكر بعضنا لبعض. قد نختلف في الآراء الفكرية – الفقهية – الاجتماعية  ولكن تجمعنا خيمة الحسين (عليه السلام) الواحدة الموحدة . لذلك يجب أن نُحافظ دائماً على وحدة صفوفنا

و يجب أن لا نسمح لأسباب التمزق والخلاف والتفرق أن تنبثّ في صفوفنا

فإن ذلك ـ والله ـ  يُغضب الحسين والأئمة (عليهم السلام)،

هم يُريدون من مواليهم  أن يكونوا محصنين ضمن  وحدة الإيمان والولاء.

أيها الإخوة : إن ما يجري اليوم في العراق فتنة تبعدنا عن ديننا وحضارتنا ، يجب درءها ومواجهتها بكافة الوسائل العقلانية والأساليب الواعية  مهما كلفتنا من خسائر ومآس ودمار،

العراق اليوم بمسيس الحاجة لثقافة عاشوراء منهجا ومسيرة ووعيا .

 

المفهوم الثالث لرسالة عاشوراء  هو ضرورة الانصهار في صفوف الأمة فموالي  أهل البيت هم  جزءٌ من الأمة الإسلامية، وجزءٌ من شعوبها في كافة  بلدانهم ، وأهل البيت (عليهم السلام) يؤكدون على مواليهم  أن يكونوا منضوين ومنصهرين في صفوف  الأمة، ولا يُريدون لهم الانعزال ،  فيجب أن يكون الموالين  في خدمة أوطانهم ومجتمعاتهم ودينهم وأمتهم، من هنا كان من الضروري جدا أن ينصهر موالي أهل البيت في صناعة الحكم في العراق ببرلمانه وحكومته وقيادته لأن أئمتهم(عليهم السلام) يريدون منهم أن يكونوا جزءً من أمتهم الإسلامية، يتفاعلون مع قضاياها،مرتبطين  بجسور المودة والمحبة والوحدة مع بقية شعوب الأمة .

التفرقة ليست خيارنا، نرفضها  ونرفض الخلافات المذهبية، ونرفض الصراعات الطائفية. نحن نريد أن تكون الأمة كلّها يداً واحدة ليس شعارا فحسب بل تطبيقا نتلمسه على ارض الواقع  وخاصةً في هذا العصر والأمة تواجه أعتى  التحديات.

فرسالة عاشوراء تقول للعراقيين الشرفاء سنة وشيعة، عربا وأكرادا وتركمان ، مسلمين ومسيحيين وصابئة .. لكل عراقي شريف خارج الوطن وداخله انتم أمام مسؤولية بناء العراق ـ عراق أهل البيت (ع) ــ فأهل البيت (ع) لم يأتوا لطائفة معينة أو لدين معين أو لقومية معينة إنما جاؤوا رحمة للعالمين

العراقيون مدعوون  اليوم أمام مسؤولياتهم في بناء الوطن

علينا أن لا نقع بالأخطاء الكبيرة التي تبدد الهمم :  فنقول للإنسان العراقي إنك لا تستطيع أن تؤثر في واقعنا الموجود  وعليك أن تخضع له وأن تقبل فيه و تستسلم له، أو لا يمكنك التغيير وان هذا الأمر هو قدرنا المحتوم من الله عز وجل ، وطبعا انه كلام غير صحيح

فالظلم والفساد ليست من تقديرات المولى عز وجل ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ

إنما هو نتيجة  إهمالنا وتقاعسنا ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ

واعلموا  ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ

فالحاكم مسؤول ورجل الدين مسؤول والمثقف مسؤول والإعلامي مسؤول والشعب كله مسؤول   ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ

إذن الجميع مسؤولون عن بناء الوطن الصحيح والمجتمع النقي ..

وعلينا أن نشارك في بناء هذا الوطن كل حسب حجم مسؤوليته من شخص لآخر ومن موقع لآخر ودون أن نرمي المسؤولية على شريحة معينة ولو كانت تتصدر قيادة البلد ، فقد يخطأ الحاكم فعليك النقد ديمقراطيا وليكن النقد مدعوما بالأدلة المقنعة لا على التهم والإشاعات  ، فأردت أن أقول أن المسؤولية في بناء عراق أهل البيت تقع على عاتق كل فرد من أبناء الوطن كل حسب موقعه الذي يعمل

فعن النبي (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)

صحيح إن الاحتلال هو العائق الكبير في بناء سيادة البلاد واستقلاله ونحن نرفض الاحتلال بكل إشكاله لأنه يقوض سيادة البلد وحرية الشعب 

ولكن قمع الإرهاب هو من أولويات زوال المحتل فمسؤولية أبناء الشعب العراقي الوقوف صفا واحدا لمقاومة الإرهابيين القتلة ومفخخاتهم وانتحاريهم لهو كفيل بزوال المحتل عن وطننا عاجلا أم آجلا .

في السابق  كنا نخشى  إرهاب النظام وسلطته وسيفه الأحمق على رقاب الشعب العراقي ، أما  اليوم  زال النظام الفاسد، وأصبح  المجال مفتوحا أمام بناة الوطن المخلصين  ، فمسؤولية  العراقيين  أن يتحركوا ويبادروا لبناء العراق ، فالعراق يملك  خيرات اقتصادية كبيرة و ثروة نفطية  هائلة ، وأرضه الخصبة، وتاريخه الحضاري الكبير والعتبات المقدسة التي تشمخ بها أرض العراق وطاقاته الفكرية والثقافية وكوادره العلمية الكبيرة ..

نحتاج أن نبذل الجهد  ونتحمل المسؤولية ونطرح ثقافة المسؤولية البنّاءة وتعميمها بين أوساط المجتمع العراقي ونسأل الله تعالى أن يعين شعبنا على بناء عراق موحد  يكون نموذجا وقدوة.

وختاما أيها الإخوة : نحن في رحاب سيدة بذرت بذور النقمة على الظلم وحاربت الطغاة وهدت صروحهم وفضحت أضاليلهم ، منها تعلمنا دروس النضال والكفاح ومنها انطلق الشعب العراقي لمواجهة غطرسة دكتاتورية قل نظيرها حيث قتلت وشردت وهجرت شعب العراق من دياره وزعزت استقرار الناس وكنا جميعا ضحايا هذه السياسة الرعناء لولا يد الرحمة التي امتدت للشعب العراقي في أحلك الظروف وأقساها  إنها يد الإخاء والمودة التي مدها الرئيس الخالد حافظ الأسد طيب الله ثراه فانتشل الشعب العراقي من إرهاب الطاغية واحتضنهم في داره وقاسمهم الرغيف وآواهم ضيوفا بكرامة واعتزاز ومنحهم المزايا التي يتمتع بها ابن الوطن بل وأكثر من ذلك ،  لان حافظ الأسد خريج مدرسة الحسين وزينب عليهما السلام فكانت الرحمة تملأ قلبه وتهز مشاعره فعمل ما لم يفعله غيره .. إذ جعل دمشق كربلاء ثانية مدرسة ومنهجا ومسيرة وما نراه اليوم من إقامة للشعائر الحسينية ومدارس لأهل البيت ونشر فكرهم البنّاء ومنهجيتهم الحكيمة إنما هي  قوانين  رسمها الرئيس الراحل حافظ الأسد رحمه الله فأصبحت الشام – شام الحسين –  التي نظمت فيها معقبا على قول رسول الله

( اللهم بارك لنا في شامنا)  

شامُ الحُسَينِ غدَتْ في عَصرِ إِيمَانِ أَمشي بأروِقةٍ هلْ تلكَ ضاحِيَتِي
هذِي المَجَالِسُ وَالرَّايَاتُ قَدْ عُقِدَتْ
آلِ النَّبِيِّ وَ فِيهِمْ شامُنَا فَخَرَتْ
طه المؤَيدِ في أَقوَالهِ سلفاً

 

 

فَلْتَسمَعِ النَّاسُ مِنْ قَاصٍ وَمنْ دَانِي

أَمْ كربلاءُ بدَتْ في شامِ خِلاّني
في دَارِ زَينَبَ تَخْلِيدَاً لِتِيْجَانِي
حقَّ الدُّعاءُ لها مِنْ خيرِ إِنْسانِ
قَدْ بَارَكَ اللهُ شامَ الحافِظِ الباني

السلام على الحسين وعلى علي ابن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين وعلى شريكة الحسين زينب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

الأربعاء: - 11محرم الحرام 1428هـ - 31كانون الثاني 2007م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ